الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 107 ] 4038 4039 ص: ثم قد روي أيضا عن ابن عباس ، عن النبي -عليه السلام- مثل ذلك، غير أنه زاد عليه معنى آخر.

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل (ح).

                                                وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، . . فقال له رجل: والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله -عليه السلام- يضمخ رأسه بالسك، أفطيب هو؟ ". ؟ ؟

                                                ففي هذا الحديث من قول ابن عباس ما قد ذكرنا من إباحة كل شيء إلا النساء إذا رميت الجمرة ولا يذكر في ذلك الحلق، وفيه أنه رأى النبي -عليه السلام- يضمخ رأسه بالسك، ولم يخبر بالوقت الذي فعل فيه رسول الله -عليه السلام- ذلك، وقد يجوز أن يكون ذلك من رسول الله -عليه السلام- قبل الحلق، ويجوز أن يكون بعده، إلا أن أولى الأشياء بنا: أن نحمل ذلك على ما يوافق ما قد ذكرناه عن عائشة لا على ما يخالف ذلك، فيكون ما رأى رسول الله -عليه السلام- يفعله من ذلك كان بعد رميه الجمرة وحلقه على ما في حديث عائشة، ثم قال ابن عباس -بعد برأيه-: إذا رمى فحل له برميه أن يحلق؛ حل له أن يلبس ويتطيب.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ثم قد روي عن عبد الله بن عباس ، عن النبي -عليه السلام-، مثل ما روي عن عائشة؛ من حل كل شيء بعد الرمي إلا النساء، وأراد بقوله: "غير أنه زاد عليه معنى آخر" هو قوله: "أما أنا فقد رأيت ... إلى آخره" أي غير أن ابن عباس زاد على ما روي عن عائشة معنى آخر، وفي حديثه شيئان:

                                                أحدهما: إباحة كل شيء إلا النساء بعد رمي جمرة العقبة، ولكن لم يذكر في ذلك الحلق.

                                                والآخر: أنه رأى النبي -عليه السلام- يضمخ رأسه بالسك ولكن لم يخبر في حديثه بالوقت الذي فعل فيه ذلك، فيحتمل أن يكون ذلك قبل الحلق، وأن يكون بعده، ولكن

                                                [ ص: 108 ] الأولى أن يحمل ذلك على ما يوافق ما روي عن عائشة دفعا للتعارض والمخالفة، فيحمل ذلك على أنه كان بعد رميه الجمرة وحلقه؛ على ما هو مصرح كذلك في حديث عائشة حيث قال: قالت: قال رسول الله -عليه السلام-: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء".

                                                ثم أنه أخرج حديث ابن عباس من طريقين رجالهما ثقات ولكن فيه انقطاع على ما قال يحيى بن معين: إن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس. قلت: لم يجزم يحيى بهذا، وإنما قال: يقال: إنه لم يسمع من ابن عباس. وغيره قال: روى عن ابن عباس، والمثبت أولى على ما عرف.

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي: أنا عمرو بن علي، ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: "إذا رمى الجمرة فقد حل له كل شيء إلا النساء، قيل: والطيب؟ قال: فأما أنا فقد رأيت رسول الله -عليه السلام- يتضمخ بالمسك، أوطيب هو؟!".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن سفيان الثوري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن ماجه: نا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، قالا: نا وكيع، ونا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن سعيد ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي، قالوا: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، فقال له رجل:

                                                [ ص: 109 ] يا ابن عباس، والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله -عليه السلام- يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟!


                                                قوله: "يضمخ" من التضميخ بالخاء المعجمة وهو التلطخ بالطيب وغيره والإكثار منه.

                                                قوله: "بالسك" بضم السين وتشديد الكاف وهو طيب معروف يضاف إلى غيره ويستعمل، وفي "المطالع": "السك" طيب مصنوع من أخلاط قد جمعت وهكذا وقع في رواية البيهقي: "السك"، وفي رواية النسائي وابن ماجه: "المسك" بالميم على ما ذكرنا.

                                                قوله: "أفطيب هو" بالفاء في رواية الطحاوي، وكذا في رواية ابن ماجه، وفي رواية النسائي بالواو "أو طيب هو" وهو استفهام على سبيل التقرير، والمعنى: أو ليس هو بطيب؟

                                                ومن فوائد هذا الحديث: إباحة استعمال المسك للرجال وكذا في الأكل.




                                                الخدمات العلمية