الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4088 ص: وقال آخرون: كان النبي بالحديبية -عليه السلام- وهو يقدر على دخول الحرم، قالوا: ولم يكن صد إلا عن البيت، واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا سفيان بن بشر [الكوفي] ، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن المسور: " ، أن رسول الله -عليه السلام- كان بالحديبية ، خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم". .

                                                فثبت بما ذكرنا أن النبي -عليه السلام- لم يكن صد عن الحرم، ، وأنه قد كان يصلي إلى بعضه، ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم ، أن ينحر هديه دون الحرم، . فلما ثبت بالحديث الذي ذكرنا أن النبي – عليه السلام- كان يصلي إلى بعض الحرم؛ استحال أن يكون نحر الهدي في غير الحرم؛ ؛ لأن الذي يبيح الهدي في غير الحرم ، إنما يبيحه في حال الصد عن الحرم لا في حال القدرة على

                                                [ ص: 167 ] دخوله، فانتفى بما ذكرنا أن يكون النبي -عليه السلام- نحر الهدي في غير الحرم، ، وهذا قول أبي حنيفة 5 وأبي يوسف 5 ومحمد -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقال قوم آخرون، وأراد بهم: عروة بن الزبير ومروان والمسور؛ فإنهم قالوا: كان النبي -عليه السلام- نازلا بالحديبية والحال أنه يقدر على دخول الحرم، ولم يكن صد أي منع إلا من دخول البيت، وهذا هو الوجه الثاني من الوجهين.

                                                قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما قالوا من هذا القول بما أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سفيان بن بشر بن أيمن الكوفي الأسدي، ذكره ابن يونس في الغرباء، وسكت عنه، عن يحيى بن أبي زائدة الكوفي روى له الجماعة، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير بن العوام ، عن المسور -بكسر الميم- بن مخرمة -بفتح الميم- له ولأبيه صحبة توفي رسول الله -عليه السلام- وهو ابن ثماني سنين، وقد روى عن رسول الله -عليه السلام- وصح سماعه منه.

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث يونس ، عن ابن إسحاق، نا الزهري ، عن عروة ، عن مروان والمسور بن مخرمة، قالا: "خرج رسول الله -عليه السلام- زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ... " الحديث بطوله، وفيه: "وكان مضطربه في الحل، وكان يصلي في الحرم". انتهى.

                                                قلت المضطرب: هو البناء الذي يضرب ويقام على أوتاد مضروبة في الأرض، والخباء -بكسر الخاء- بيت من صوف أو وبر فإذا كان شعر سمي بيتا، والجمع: أخبية.

                                                فإن قيل: روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: إنما ذهبنا إلى أنه نحر الهدي في غير الحرم لأن الله تعالى يقول: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [ ص: 168 ] والهدي معكوفا أن يبلغ محله والحرم كله محله عند أهل العلم، والحديبية موضع منه ما هو في الحل ومنه ما هو في الحرم، وإنما نحر الهدي عندنا في الحل، وفيه مسجد رسول الله -عليه السلام- الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل الله تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وقال في قوله: تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله محله -والله أعلم- ها هنا بينه أن يكون إذا أحصر نحر حيث أحصر، ومحله من غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع.

                                                قلت: فإذا كانت الحديبية بعضها في الحرم كيف يجوز أن يترك هذا الموضع وينحر في الحل؟ والحال أن بلوغ الكعبة صفة للهدي في قوله: هديا بالغ الكعبة وحديث ناجية بن جندب الذي ذكره أيضا وقد قال ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو أسامة ، عن أبي العميس ، عن عطاء قال: "كان منزل النبي -عليه السلام- يوم الحديبية في الحرم".

                                                فإذا كان منزل النبي -عليه السلام- الحرم، كيف ينحر هديه في الحل؟ وهذا محال، وفي "الاستذكار": قال عطاء وابن إسحاق: لم ينحر -عليه السلام- هديه يوم الحديبية إلا في الحرم".




                                                الخدمات العلمية