الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4165 4166 4167 ص: ثم احتجنا بعد هذا إلى النظر في حكم من بعد المواقيت إلى مكة هل لهم دخول الحرم بغير إحرام أم لا؟ فرأينا الرجل إذا أراد دخول الحرم لم يدخله إلا بإحرام، وسواء أراد دخول الحرم لإحرام أو لحاجة غير الإحرام، ورأينا من أراد دخول المواضع التي بين المواقيت وبين الحرم لحاجة أن له دخولها بغير إحرام، فثبت بذلك أن حكم هذه المواضع إذا كانت تدخل للحوائج بغير إحرام، كحكم ما قبل المواقيت، وأن أهلها لا يدخلون الحرم إلا كما يدخله من كان أهله وراء الميقات إلى الآفاق، فهذا هو النظر عندي في هذا [الباب] وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله- وذلك أنهم قلدوا فيما ذهبوا إليه من هذا ما حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا هشيم ، قال: أنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، -رضي الله عنهما-: " أنه خرج من مكة يريد المدينة، ، فلما بلغ قديدا بلغه عن جيش قدم المدينة، ، فرجع فدخل مكة بغير إحرام".

                                                [ ص: 280 ] حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج ، قال: ثنا حماد ، قال: أنا أيوب ، عن نافع: " ، أن ابن عمر خرج من مكة ، وهو يريد المدينة، . فلما كان قريبا لقيه حبيش ابن دلجة، ، فرجع فدخل مكة حلالا".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن نافع: " ، أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة ، حتى إذا كان بقديد بلغه خبر من المدينة، ، فرجع فدخل مكة حلالا".

                                                فقلدوا ذلك واتبعوه.

                                                وكان النظر عندنا في ذلك خلاف ما ذهبوا إليه.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما ذكر فيما مضى أن مذهب أبي حنيفة وصاحبيه: أن من كان منزله في بعض المواقيت أو فيما بعدها إلى مكة فله أن يدخلها بغير إحرام، وذكر أن هذا الذي ذكروه ليس هو النظر عنده، وأن النظر عنده خلاف ذلك، شرع ها هنا يبين ما ذهب إليه واختاره، وما احتج به أبو حنيفة وصاحباه فيما ذهبوا إليه، وهو أثر ابن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم ، عن هشيم بن بشير ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه أقام بمكة، ثم خرج يريد المدينة حتى إذا كان بقديد بلغه أن جيشا من جيوش الفتنة دخلوا المدينة، فكره أن يدخل عليهم، فرجع إلى مكة فدخل بغير إحرام".

                                                [ ص: 281 ] الثاني: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني ، عن نافع .

                                                الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى ... إلى آخره، والكل رجال الصحيح.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                وجه استدلالهم بهذا: أن ابن عمر رجع من قديد وهو موضع فيما وراء الميقات ودخل مكة بغير إحرام، فدل ذلك على أن لأهل ما وراء المواقيت أن يدخلوا مكة بغير إحرام، وقال الكاساني: ويجوز لمن كان من أهل مكة ومن أهل الميقات وما بعده دخول مكة لغير إحرام الحج والعمرة من غير إحرام عندنا، ولا يجوز ذلك في أحد قولي الشافعي، وفي قوله الثاني: إذا تكرر دخولهم يجب عليه الإحرام في كل سنة مرة، والصحيح قولنا؛ لما روي عن النبي -عليه السلام- أنه رخص للحطابين أن يدخلوا مكة بغير إحرام، وعادة الحطابين أنهم لا يتجاوزون الميقات وروي عن ابن عمر أنه خرج من مكة إلى قديد فبلغه خبر فتنة بالمدينة، فرجع ودخل مكة بغير إحرام، وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي: وقال الشافعي: من دخل مكة خائفا من سلطان أو من لا يقدر على دفعه جاز له دخولها بغير إحرام وهو في معنى المحصر، واحتج برجوع ابن عمر من قديد، ومشهور مذهبه أنه لا يدخلها أحد إلا محرما، إلا الحطابين وأصحاب الفاكهة، لكنه لا يرى على من دخلها غير محرم شيئا.




                                                الخدمات العلمية