الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 116 ] أو صرف المشيئة على معلق عليه ، [ ص: 117 - 118 ] بخلاف : إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط

التالي السابق


( أو ) قوله أنت طالق إن دخلت إن شاء الله ( صرف المشيئة على معلق عليه ) وهو دخول الدار ، أي نوى أن المشيئة راجعة للدخول المعلق عليه ووجد الدخول فينجز أي وإن لم يوجد فلا ، وهذا نص على المتوهم إذ التنجيز في صرفها للطلاق المعلق أولى كما تقدم وكذا إن لم يصرفها لواحد منهما إذا وجد المعلق عليه فيهما وإلا فلا ، هذا قول ابن القاسم . وقال ابن الماجشون وأشهب لا طلاق ولو دخلت .

ابن رشد مذهب ابن القاسم على مذهب القدرية ومقابله على مذهب أهل السنة لأن قوله أنت طالق إن لم أدخل الدار إن شاء الله وصرف المشيئة للمعلق عليه معناه إن تركت الدخول بمشيئة الله فلا شيء علي ، وكذا قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تعالى معناه إن شاء الله دخولي فلا شيء علي ، وقد علم في السنة أن كل واقع في الوجود فهو بمشيئة الله تعالى فلا يلزمه طلاق لأن ذلك هو الذي التزمه .

وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول أو عدمه واقع بخلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة . وأجاب ابن عرفة بأن صرفه المشيئة للفعل في هذه المسألة يحتمل تفسيره بأن تعلق المشيئة به موجب تعلق الحلف به ، أو بأن تعلقها به يمنع تعلق الحلف به فابن رشد بناه على الثاني فألزم ما ألزم .

ولقائل أن يقول مجيبا عن ابن القاسم بأنه بنى على المعنى الأول وحينئذ ينعكس الأمر في جري ابن القاسم على مذهب أهل السنة ، وقول غيره على مذهب القدرية والاستثناء في اليمين بالله هو الأصل وهو فيها على المعنى الثاني لا الأول . فابن رشد جعل إن شاء الله في معنى الاستثناء مثل إلا أن يشاء الله . وابن عرفة جعله شرطا على ظاهره وهو الصواب وبه يسقط الاعتراض . وإن كان ما لابن رشد هو الموافق للاستثناء في اليمين أفاده البناني ونص ابن عرفة ولو علق معلقا على أمر بمشيئة الله تعالى ففي لغو استثنائه مطلقا أو ما لم [ ص: 117 ] يرد للمعلق عليه قولان للمشهور وابن الماجشون مع أصبغ وابن حبيب والشيخ عن أشهب ، وصوبه غير واحد .

ابن رشد أصح القولين إعماله لأنه إذا صرفه للفعل فقد بر فلم يلزمه طلاق لأنه علقه بصفة لا توجد وهي أن يفعل الفعل والله سبحانه وتعالى لا يشاؤه ، وذلك باطل إلا على مذهب القدرية مجوس هذه الأمة ، فعلى ابن القاسم في قوله درك عظيم . قلت هذه المسألة فرع بالنسبة لمسألة الاستثناء في اليمين بالله تعالى ، لأنه فيها متفق عليه ، وفي هذه مختلف فيه ، ورده للفعل في هذه المسألة يحتمل تفسيره بأن تعلق مشيئة الله تعالى بالفعل موجب تعلق الحلف به ، أو بأن تعلقها به يمنع تعلق الحلف به فابن رشد بناه على الثاني فألزم ما لزم ولقائل أن يقول مجيبا عن ابن القاسم بأنه بني على المعنى الأول ، وحينئذ ينعكس الأمر في جري ابن القاسم على مذهب أهل السنة وقول غيره على مذهب القدرية .

فإن قلت الاستثناء في اليمين بالله تعالى والأصل هو فيها على المعنى الثاني لا الأول قلت بل على الأول وهو تقييد المحلوف عليه بأنه إن شاءه الله تعالى سلمناه فنقول إنما كان في اليمين بالله تعالى على الثاني لأن حمله على الأول مناف لنص حكم الشرع فيه أنه يرفع مقتضى اليمين ، فوجب حمله على الثاني لموافقته مقتضى النص فيه ، وحمله على الأول في الطلاق المعلق هو فيه حمل للفظ على ظاهره مع السلامة عن معارضة نص فيه .

إما إنه حمل اللفظ على ظاهره فبيانه أن قوله أنت طالق إن قمت إن شاء الله قيامي ، فيه شرط تعقب شرطا قبله على أنه متعلق به ، والقاعدة أن الشرط إذا تعقب فعلا مسندا أن يؤثر في وقف إسناده على الشرط لا أن يؤثر في وقف نقيض الإسناد المذكور ، كقوله اضرب أربعين جلدة ، هذا إن كان قذف حرا عفيفا إن كان عبدا ، فقوله إن كان عبدا مؤثر في إسناد ضرب أربعين بمعنى وقفه على الشرط الأخير ، وهو إن كان عبدا وحمله على تأثير الشرط في وقف نقيض الإسناد ، وهو عدم الضرب المذكور حمل له على غير مدلوله لا يصح إلا لمعارض شرعي ، كما في اليمين بالله تعالى . ابن رشد إن لم تكن له نية في [ ص: 118 ] صرفه للفعل أو للطلاق فلم أعلم فيه نص رواية ، والنظر عندي صرفه للفعل إن قصد به حل اليمين لأن صرفه للطلاق لغو لا معنى له ، وصرفه للفعل له معنى صحيح ، وحمل اللفظ على وجه له معنى أولى من حمله على ما لا معنى له .

( بخلاف ) قوله أنت طالق إن دخلت الدار ( إلا أن يبدو ) أي يظهر ( لي ) أن لا أجعل دخول الدار سببا للطلاق أو إلا أن أشاء ، وإلا أن أرى خيرا منه ، وإلا أن يغير الله تعالى ما في خاطري ، ونحو ذلك إذ كان ذلك ( في المعلق عليه فقط ) فلا ينجز عليه ، بل ولا يلزمه التعليق ولا عبرة بإرادته لأن معناه أني لم أصمم على جعل دخول الدار سببا لطلاقك ، بل الأمر موقوف على إرادتي في المستقبل ، فإن شئت جعلته سببا ، وإن شئت لم أجعله سببا له ، فلذا نفعه لأن كل سبب وكل إلى إرادته فلا يكون سببا إلا بتصميمه على جعله سببا .

واحترز بالمعلق عليه عن صرفه للمعلق وهو الطلاق فلا ينفعه لأنه لا اختيار له فيه فينجز ، وكذا لم تكن له نية صرفه إلى أحدهما فينجز . ابن عرفة وفي عتقها الأول إن قال لامرأته أنت طالق إن أكلت معي شهرا إلا أن أرى غير ذلك فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها ثم أذن لها فأكلت إن كان ذلك مراده ورأى ذلك فلا شيء عليه .




الخدمات العلمية