الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو حصلت في أول الحيض ، وهل إلا أن تمضي حيضة استبراء أو أكثرها ؟ تأويلان

التالي السابق


وعطف على قوله لم تطق الوطء من قوله ولا استبراء إن لم تطق الوطء ، فقال ( أو ) أي ولا استبراء إن ( حصلت ) أسباب الاستبراء من حصول الملك وما عطف عليه ( في أول الحيض ) للأمة فتكتفي به غير أم الولد ( وهل ) اكتفاؤها به في كل حال ( إلا أن يمضي ) من الحيض قبل حصول موجب الاستبراء ( حيضة استبراء ) أي قدر ما يكفي فيها وهو يوم أو بعضه الذي له بال ( أو ) إلا أن يمضي ( أكثرها ) أي الحيضة المعتادة للأمة ، وهل المراد بأكثرها أكثرها اندفاعا ، وهو اليومان الأولان أو أكثرها أياما في الجواب ( تأويلان ) طفي ظاهر كلامه بل صريحه أن قوله إلا أن يمضي حيضة استبراء أحد التأويلين ، وليس كذلك إذ لم أر من قابلهما هكذا ، وإنما هذا لمحمد قيد به المدونة خارجا عنهما ابن شاس

. وإن بيعت وهي في أول حيضها فالمشهور من المذهب أنه استبراء لها ، وإن فرعنا على المشهور فقال محمد المعتبر في ذلك أن لا يكون الذاهب من الحيض قدر حيضة يصح بها [ ص: 357 ] الاستبراء ، وصرح ابن عبد السلام وتبعه في ضيح تفريعا على هذا القيد بأنه إذا مضى قدر حيضة استبراء لا يجزي الباقي ولو أكثر بأن اعتادت اثنا عشر يوما أو خمسة عشر فملكت بعد خمسة أو أربعة أيام فلا تكتفي ببقية هذا الدم لتقدم حيضة استبراء ، وأما التأويلان فأشار لهما ابن عبد السلام والموضح بقولهما ما اختلف الشيوخ من القرويين في فهم المدونة فحكى ابن العطار أن ابن مناس قال عظم الحيضة اليوم الأول والثاني ; لأن الدم فيهما أكثر اندفاعا ولا عبرة بكثرة عدد الأيام وعن ابن عبد الرحمن مراعاة كثرة عدد الأيام ابن عرفة وفي اعتبار العظم بكثرة اندفاع الدم وهو دم اليومين الأولين لا بما بعدهما ، وإن كثرت أيامه أو بكثرتها قولا ابن مناس وابن عبد الرحمن ا هـ

. فقد علمت أن قول محمد لا يوافق واحدا من التأويلين هذا على نقل ابن شاس عن محمد ، ونقل عنه ابن عرفة خلافه ونصه وعلى المشهور قال محمد إن تأخر عن البيع ما يستقل حيضا كفى ما لم يتقدم أكثر منه ولا نص إن تساويا ، ومفهوماه متعارضان فيه والأظهر لغوه ثم قال الشيخ عن الموازية إن لم يبق من حيضها إلا يومان لم يجزه ، وإن بقي قدر ما يعرف أنها حيضة أجزأه ا هـ

. فصرح محمد بأن اليومين ليسا بحيضة فلا يصح تفسير قوله إلا أن يمضي حيضة استبراء بأنها يوم إلخ ، وإن أشار له ابن فرحون وجمع من الشارحين ; لأن كونها يوما إلخ كلام المدونة وهذا كلام محمد فلا يفسر كلامه بكلامها ولا سيما مع تصريحه بخلافها وبما حررناه ظهر أن تقرير الشارح وابن غازي ومن تبعهما كلام المصنف على ظاهره غير ظاهر لجعلهم أحد التأويلين قول محمد والآخر قول ابن مناس وتركهم تأويل ابن عبد الرحمن مع أنه هو المقابل لتأويل ابن مناس ، كما في ابن عبد السلام وابن عرفة والتوضيح ، والحاصل أن قول محمد قيد في المسألة

. وظاهر كلامهم الاتفاق عليه في المشهور ، وإنما التأويلان المتقابلان اللذان لا يجتمعان قول ابن مناس وقول ابن عبد الرحمن ، وكلام محمد خارج عنهما وإن كان تأويلا ; لأنه قيد [ ص: 358 ] للمدونة لكن لم يقابلوه بتأويل ابن مناس إذ هو يجامعه إذ يلزم من مضي حيضة استبراء مضي أكثرها اندفاعا ولا يلزم من مضي أكثرها اندفاعا وهو اليومان الأولان مضي حيضة استبراء عند محمد على أنهما ليسا في قولها أول الدم ، وإنما هما في مضي عظم الحيضة

. أقول بحول الله تعالى وقوته من تأمل كلام طفي وجده كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا وذلك أن طفي اعترف آخرا بأن كلام محمد تأويل لها ، ولا يخفى أن قول المصنف وهل إلا أن يمضي حيضة استبراء نص فيه ، وأنه نفسه على نقل الجواهر والتوضيح وأن قوله أو أكثرها مقابل له شامل لتأويل ابن مناس بحمل الأكثر على أكثرها اندفاعا وتأويل ابن عبد الرحمن بحمله على أكثرها مدة كما شرحت به وقول طفي إذ هو يجامعه لا ينتج مدعاه إذ مجامعته له في بعض الصور لا تمنع مقابلته له باعتبار عدم مجامعته له في بعض آخر واتفاق المؤولين في شيء واختلافهما في غيره كثير في كلامهم لا ينكر وكون تأويلي ابن مناس وابن عبد الرحمن في عظم الحيضة لا ينافي مقابلتهما لتأويل محمد فتقرير كلام المصنف على ظاهره هو الصواب والله سبحانه وتعالى أعلم

.



الخدمات العلمية