الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 150 - 152 ] وإن شهد شاهد بحرام ، وآخر ببتة ، أو بتعليقه على دخول دار في رمضان وذي الحجة [ ص: 153 ] أو بدخولها فيهما ، أو بكلامه في السوق والمسجد ، أو بأنه طلقها يوما بمصر ويوما بمكة . لفقت : [ ص: 154 - 155 ] كشاهد بواحدة ، وآخر بأزيد ، وحلف على الزائد ; وإلا سجن حتى يحلف ، لا بفعلين

التالي السابق


( وإن شهد شاهد ) عدل على زوج أنه طلق زوجته ( ب ) لفظ ( حرام و ) شهد شاهد ( آخر ) عدل أنه طلقها ( ب ) لفظ ( بتة ) لفقت الشهادة وحكم عليه بالطلاق الثلاث لاتفاق اللفظين في المعنى والحكم ( أو ) شهد شاهد ( بتعليقه ) طلاقها ( على دخول دار ) مثلا ، وصلة تعليق ( في رمضان و ) شهد شاهد آخر بتعليقه في ( ذي الحجة ) [ ص: 153 ] وشهدا هما أو غيرهما بدخولها بعد ذي الحجة أو أقر به لفقت ولزمه ما علقه . ( أو ) علق طلاقها على دخول دار معينة وشهد شاهد وشهد شاهد آخر ( بدخولها ) أي الدار التي علق طلاق زوجته على دخولها ( فيهما ) أي رمضان وذي الحجة أي شهد عليه أحدهما بدخولها في رمضان والآخر بدخولها في ذي الحجة والتعليق ثابت بإقراره أو بينة فتلفق ويلزمه الطلاق .

( أو ) حلف بطلاق زوجته لا يكلم زيدا و شهد عليه عدل ( بكلامه ) أي الحالف المحلوف عليه ( في السوق و ) عدل آخر بكلامه في ( المسجد ) فتلفق ويلزمه الطلاق ( أو ) شهد عليه عدل ( بأنه ) أي الزوج ( طلق ) زوجته ( يوما بمصر ) القاهرة في رمضان ( و ) شهد عليه عدل آخر أنه طلقها ( يوما بمكة ) المشرفة في ذي الحجة ( لفقت ) بضم اللام وكسر الفاء مشددة جواب المسائل الخمس ، فلقد أحسن في ترتيب أمثلة القولين والفعلين المتفقين في المعنى . وشرطه في الأخيرة فصل الفعلين بزمن يمكن الوصول فيه من أحد المكانين للآخر ، ولا تنقضي فيه العدة وإلا بطلت شهادة الثاني .

ابن رشد تلفيق الشهادة على أربعة أوجه الأول تلفق فيه باتفاق وهو إذا اختلف اللفظ واتفق المعنى وما يوجه الحكم مثل أن يشهد عليه أحدهما بالثلاث والآخر بالبتة أو البرية أو الخلية ، والثاني : لا تلفق فيه باتفاق وهو إذا اختلف اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم مثل أن يشهد أحدهما بالثلاث والآخر أنه حلف إن دخل الدار فأمر أنها طالق .

الثالث : اختلف في تلفيقها فيه والمشهور التلفيق وهو ما إذا اتفق اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم واختلفت الأزمنة والأمكنة كمصر ومكة ورمضان وذي الحجة .

الرابع : اختلف في تلفيقها فيه والمشهور عدمه وهو أن يختلف المعنى واللفظ ويتفق ما يوجبه الحكم مثل أن يشهد أحدهما أنه حلف لا يدخل الدار وأنه دخل ويشهد الآخر أنه حلف لا يكلم زيدا ، وأنه كلمه . [ ص: 154 ] ابن عرفة وفيها لابن شهاب إن شهد ثلاثة مفترقون أحدهم بطلقة وآخر باثنتين وآخر بثلاث لزمه طلقتان . اللخمي هذا يصح في بعض وجوه المسألة إن علمت التواريخ فكان الثاني في ثاني يوم الأول والثالث في ثالثهما لزمت الطلقتان واحدة بضم الأولى للثانية في واحدة ، وثانية بضم باقي شهادة الثاني لشهادة الثالث في واحدة ، ثم قال ويختلف إن عدمت التواريخ هل تلزمه ثلاث أو طلقتان لأن الزائد عليهما من الطلاق بالشك .

وسئل ابن رشد عن قول ابن شهاب فيها من شهد عليه شاهد بثلاث وآخر باثنين وآخر بواحدة قيل له وفي نسخة أخرى واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخر بثلاثة لزمه طلقتان فأجاب لا أثر لاختلاف النسخ فيما يوجبه الحكم في تلفيق البينة على القول به ، والواجب على القول به لزوم الطلقتين وهو قول ابن القاسم ، وروايته سواء أرخ كل واحد شهادته أو لم يؤرخ اختلفوا في التاريخ أو اتفقوا عليه لا أثر للتاريخ فيما يجب من تلفيق الشهادة ، إذ لو قيل بشهادة الواحد بانفراد في تعيين يومها لوجب قبول شهادته وحده في الطلاق الذي شهد به فلا يعتد بالتواريخ ، إذ لا أثر لها ، ألا ترى أن العدة في ذلك لا تكون إلا من يوم الحكم وإن أرخ كل واحد منهم شهادته ، ولو اجتمع شاهدان على تاريخ كانت العدة من يومه وما فعله اللخمي من كون تاريخ الشاهد بالثلاث متأخرا عن تاريخ شهادة الشاهدين أو متقدما عليهما أو على أحدهما ليس له وجه يصح وكذا قوله يختلف إن عدمت التواريخ هل تلزمه طلقتان أو ثلاث لأن الزائد عليهما من باب الطلاق بالشك غلط ظاهر ، إذ لا خلاف أن الحاكم لا يحكم على المنكر بالشك ، إنما الخلاف في أنه إنما يحكم عليه إذا أقر به على نفسه .

قلت قول ابن رشد لو وجب قبول شهادة الشاهد في تعيين يومها لوجب قبول شهادته فيما انفرد به من الطلاق إلخ ، يرد بأن الملازمة المذكورة إنما تدل على عدم اعتبار زمن الطلقة في كونه قيدا منها ، وهذا لا يخالف فيه اللخمي ، إذ لو اعتبر ذلك لأبطل الضم مطلقا لاختلاف متعلق الشهادتين كشهادة أحدهما بثوب معين وآخر بمثله ، وإنما اعتبر اللخمي من حيث كونه موصلا إلى كون أحد الطلاقين مخبرا به عن طلاق آخر إخبارا [ ص: 155 ] يقصد به كمال الطلاق بشهادة رجلين ، ولذا ألزمه في الثلاث التي أولها الشاهد بواحدة وآخرها الشاهد بالثلاث طلقتين ، وفي عكسه ثلاثا وهو فقه حسن ، وصور تقديم بعضها على بعض ست ضابطها على مأخذ اللخمي ، وهو كون الطلاق مخبرا به كما مر أنه كلما تأخرت بينة الثلاث فطلقتان وإلا فثلاث .

وشبه في التلفيق فقال ( كشاهد ) عدل على الزوج ( ب ) طلقة ( واحدة و ) شاهد ( آخر ) عدل عليه ( بأزيد ) من طلقة فتلفق في الواحدة التي اتفق عليها الشاهدان فتلزم الزوج ( وحلف ) الزوج ( على ) ففي الطلاق ( الزائد ) على الواحدة باسم الله تعالى أبو الحسن صورة يمينه بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقت ألبتة فتنفعه يمينه في سقوط اثنتين وتلزمه الواحدة ، أي يحلف ما طلق واحدة ولا أكثر لإسقاط الزائد على الواحدة اللازمة بشهادتهما ، فعلى للتعليل فإن حلف سقط منه الزائد ( وإلا ) أي وإن لم يحلف ونكل ( سجن ) بضم فكسر أي حبس الزوج واستمر مسجونا ( حتى ) أي إلى أن ( يحلف ) لقدرته على اليمين رجع إلى هذا الإمام مالك رضي الله تعالى عنه عن قوله فإن نكل طلقت عليه ألبتة .

وفي الجلاب فإن طال زمن حبسه وهو مصر على عدم الحلف أطلق وترك ووكل لدينه ولا يلزمه غير الواحدة . أبو إسحاق لم يذكروا خلافا في لزوم الواحدة إن اتحد المجلس . القرافي فيه نظر لأن اتحاده يوجب تكاذبهما لأن أحدهما قال لفظ بواحدة وقال الآخر بأكثر ( لا ) تلفق شهادة شاهدين عدلين على الزوج ( بفعلين ) مختلفي الجنس كشهادة [ ص: 156 ] أحدهما أنه حلف بطلاق زوجته لا يدخل الدار ، وأنه دخلها والآخر أنه لا يركب الدابة وأنه ركبها قاله تت ، وتبعه بعضهم .

فإن قلت الشهادة من كل منهما بفعل وقول . قلت اعتبر الفعل لأنه المقصود ويحلف على كذبهما في القضاء والفتوى ، فإن نكل حبس وإن طال دين ، ومحل قوله لا بفعلين ما لم يستلزم أحدهما الآخر وإلا لفقت كشهادة أحدهما بريح خمر والآخر بشربها فيحد ، وقولي مختلفي الجنس تحرز عن متحدي الجنس ، فتلفق كما مر في قوله أو بدخولها فيهما .




الخدمات العلمية