[ ص: 89 ] 370 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا من انقطاع عمل الرجل بموته إلا من الثلاثة الذين ذكرناهم في الباب الذي قبل هذا الباب
قال : قال قائل : قد رويت في الباب الذي قبل هذا الباب حديث أبو جعفر سلمان في الرباط وأنه ينمو للميت فيه عمله إلى يوم القيامة ، فكيف ينمو له ما قد انقطع بموته ؟ ورويت عنه أيضا فيما تقدم منك في كتابك هذا فيمن سن سنة حسنة فعمل بها من بعده أن له أجرها ، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ، وهذه أعمال قد لحقت الميت زائدة على الثلاثة الأشياء المذكورات في انقطاع عمله بموته إلا منها .
فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - أن هذه آثار مؤتلفة كلها لا خلاف ولا تضاد فيها ؛ لأن حديث سلمان على عمل متقدم لموت المرابط ينمو له بعد موته لمعنى يتوفر له ثوابه إلى يوم القيامة وهو عمل قد تقدم موته .
وأما الحديث الآخر فالمستثنى فيه وهو أعمال تحدث بعده من صدقة بها عنه بعد وفاته هو سببها في حياته ، وعلم يعمل به بعد وفاته هو سببه في حياته ، وولد صالح يدعو له بعد وفاته هو سببه في حياته ، وكل هذه الأشياء يلحقه بها ثواب [ ص: 90 ] طارئ خلاف أعماله التي مات عليها ، فهو في ذلك بخلاف الميت في رباطه الذي يعطى ثواب ما قد تقدم موته من أعماله الصالحة لا ثواب أعمال تحدث بعد وفاته .
وأما الحديث الذي ذكره فيمن سن سنة حسنة فعمل بها بعد وفاته ، فهي من العلم الذي كان بثه في حياته ، وعمل به بعد وفاته المذكورة في الحديث المستثنى فيه تلك الثلاثة الأشياء ، فبان بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في شيء من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنها كلها مؤتلفة غير مختلفة ، والله نسأله التوفيق .