[ ص: 248 ] 752 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سروره بقول مجزز المدلجي في زيد بن حارثة وأسامة ابنه لما رأى أقدامهما بادية ووجوههما مغطاة : إن هذه لأقدام بعضها من بعض .
4780 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة عائشة : مجزز المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما ، فقال : إن هذه لأقدام بعضها من بعض ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا دخل .
[ ص: 249 ]
4781 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس شعيب بن الليث بن سعد ، عن ، عن أبيه ، عن ابن شهاب ، عن عروة أنها قالت : عائشة مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ، فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه ، فقال : ألم تري أن .
فقال قائل : لو لم يكن في القافة إلا ما في هذا الحديث ، لكان فيه ما قد دل أن مع أهلها بها علما هذه معاني ألفاظه ، وإن لم تكن ألفاظنا ألفاظه .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنا لم ننكر أن مع أهل القيافة بالقيافة علما ، ولكنه ليس من العلوم التي يقطع بها فيما تذهب أنت إلى أنه يقطع بها فيه من الأنساب المدعاة المختلف فيها ، وإنما هي عندنا كعلم التجار بالسلع التي يتباينون ومن سواهم في معرفة أجناسها ، وفي معرفة بلدانها ، فيقول هذا : هي من بلد كذا ، ويقول هذا : هي من بلد كذا ، فيختلفون في بلدانها التي صنعت فيها ، ويتبين ذوو العلم منهم فيما يقولونه في ذلك بالإضافة فيما يقولونه فيه ، وحتى يقول بعضهم : هي من صنعة فلان ، فيصيب [ ص: 250 ] بذلك حقيقة الأمر في ذلك ، وليس ذلك مما يجب أن يستعمل به حكم ، ولكنه علم يعلمه قوم ، ويجهله آخرون .
فمثل ذلك القيافة التي يتباين الناس فيها ، فيعلمها بعضهم ، ويجهلها بعضهم ويضيفها بعضهم إلى صانع بعينه ، كما يضيف القائف الولد إلى رجل بعينه ، وكما كان لا يجوز أن تحكم بالسلعة المدعاة بشهادة من شهد أنها من عمل فلان - أحد من يدعيها بغير حضور منه ، لوقوعه على عمله إياها ، فمثل ذلك الولد لا يجب أن يحكم به بقول القافة إنه من نطفة ذلك الرجل الذي لم يره قط قبل ذلك الوقت ، ولم يسمع منه إقرارا بما أضافه إليه يكون ما يقوله في ذلك علما يتبين به عن غيره ممن لا علم معه بمثله ، ويجوز لمن يقع في قلبه مثل ذلك ، أو من قد علم حقيقة الأمر فيه قبل ذلك أن يسر به ، ولا يكون مع شيء من ذلك وجوب القضاء ولا وجوب الحكم به ، ولو وجب أن يستعمل ذلك فيما ذكرنا لوجب أن يستعمل في قفو الآثار التي يتبين أهل العلم بها بما يعلمون منها ، فيكون من قال لعبده : إن دخلت موضع كذا اليوم فأنت حر ، فيدعي العبد بعد مضي ذلك اليوم أنه قد كان دخل في ذلك اليوم ، ويكذبه مولاه في ذلك ، ويشهد جماعة من أهل العلم بقفو الآثار على أثر قدم يرى في ذلك المكان أنها قدم ذلك العبد أن يحكموا بقولهم ، وأن يعتقوه على مولاه بذلك ، أو يكون مولاه قال له : إن كنت دخلت هذه الدار قبل قولي هذا فأنت حر ، فيدعي العبد أنه قد كان دخلها قبل ذلك ، وينكر ذلك مولاه ، ويشهد على ذلك جماعة من القافة ، فيشهدون أن هذه قدمه أن يحكم بذلك ، وأن يعتقوه على مولاه . [ ص: 251 ] فمما قد روي مما كان يستعمل فيه قفو الآثار .
4782 - ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن سماك بن حرب ، عن معاوية بن قرة ، قال : أنس بن مالك الأنصار قريب من عشرين ، فأرسلهم إليهم ، وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم فأتاهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم أتى رسول الله نفر من حي من أحياء بني فلان ، فأسلموا وبايعوه ، وقد وقع الموم وهو البرسام ، فقالوا : يا رسول الله ، هذا الوجع قد وقع ، فلو أذنت لنا خرجنا إلى الإبل ، فكنا فيها ، فقال لهم : اخرجوا فكونوا فيها ، فخرجوا فقتلوا أحد الراعيين ، وذهبوا بالإبل ، وجاء الآخر قد جرح ، فقال : قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل ، قال : وعنده شباب من [ ص: 252 ] قال : وفي إجماعهم أنهم لا يستعملون أقوال القافة فيما ذكرنا ما قد يلزمهم به أن لا يستعملوا أقوالهم فيما قد ذكرناه قبل ذلك في هذا الباب ، فإن قال قائل : قد كان - رضي الله عنه - استعمل أقوالهم في الأنساب ، وقضى بها فيها . عمر بن الخطاب
وذكر .
ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة توبة العنبري ، عن ، عن الشعبي ابن عمر القافة ، فقالوا : أخذ الشبه منهما جميعا ، فجعله بينهما عمر . أن رجلين اشتركا في طهر امرأة ، فولدت فدعا
وما .
قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة : سعيد بن المسيب ، فدعا لهما ثلاثة من القافة ، فدعا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام ، ثم قال لأحدهم : انظر ، فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ، ثم قال : أسر أم أعلن ، فقال عمر بن الخطاب عمر : بل أسر ، قال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فما أدري لأيهما هو ، فأجلسه ، ثم قال للآخر : انظر فنظر ، فاستقبل واستعرض [ ص: 253 ] واستدبر ، ثم قال : أسر أم أعلن ، قال : بل أسر ، قال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فما أدري لأيهما هو ، فأجلسه ، ثم أمر الثالث ، فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ، ثم قال : أسر أم أعلن ، قال : أعلن ، قال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فما أدري لأيهما هو ، فقال عمر : إنا نقوف الآثار ثلاثا يقولها ، وكان عمر قائفا ، فجعله لهما يرثانه ويرثهما ، فقال لي سعيد : أتدري من عصبته ، قلت : لا ، قال : الباقي منهما . أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت لهما ولدا ، فارتفعا إلى
قال : فهذا عمر قد استعمل في الأنساب أقوال القافة ، فجعل الولد المدعى بين مدعييه جميعا بقولهم ، وذلك منه بحضرة من سواه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكروا ذلك عليه ، ولم يخالفوه فيه ، فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه .
[ ص: 254 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه : أن عمر لم يقض في ذلك بأقوال القافة ; لأنهم إنما قالوا في حديث : إنهم لا يدرون لأيهما هو ، لأخذه الشبه منهما ، فجعل سعيد بن المسيب عمر الولد منهما جميعا ، وذلك غير ما قال القافة ، فدل ذلك أن عمر لم يقض بما قد جهله القافة بقول القافة الذي قد جهلوه ، ولكنه قضى في ذلك بغيره ، وهو مدعى مدعييه إياه بأيديهما عليه ، وجواز قول كل واحد منهما فيه ، وأما حديث توبة فجعله بينهما ، فقد يجوز أن يكون كان ذلك منه بعدما قد تقدمه ما في حديث ، وبعد هذا كله ، فإن المحتج علينا بحديثي سعيد بن المسيب عمر هذين لا يجعل الولد ابن رجلين ، فإذا كان لا يجعله ابن رجلين ، وعمر فقد جعله ابنهما ، كان هذا الحديث عليه لا له ، فقال هذا القائل : فإنه قد روي عن عمر في هذه القصة غير هذا القول الذي في هذين الحديثين .
وهو .
ما قد حدثنا ، قال : حدثنا بحر بن نصر ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه يحيى بن حاطب ، عن أبيه هكذا ، حدثناه بحر ، وإنما هو يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، قال : - رضي الله عنه - في غلام من ولادة الجاهلية يقول : هذا هو ابني ، ويقول : هذا هو ابني ، فدعا لهما عمر بن الخطاب عمر قائفا من بني المصطلق ، فسأله عن الغلام ، فنظر إليه المصطلقي ، ثم نظر ، ثم قال لعمر : والذي أكرمك إني لأجدهما قد اشتركا فيه جميعا ، فقام إليه عمر فضربه بالدرة حتى اضطجع ، ثم [ ص: 255 ] قال : والله لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب ، ثم دعا أم الغلام ، فسألها فقالت : إن هذا - لأحد الرجلين - قد كان غلب علي الناس حتى ولدت له أولادا ، ثم وقع بي على نحو ما كان يفعل ، فحملت فيما أرى فأصابني هراقة من دم حتى وقع في نفسي أن لا شيء في بطني ، ثم إن هذا الآخر وقع بي ، فوالله ما أدري من أيهما هو ، فقال عمر للغلام : اتبع أيهما شئت ، فاتبع أحدهما ، قال عبد الرحمن بن حاطب : وكأني أنظر إليه متبعا لأحدهما ، فذهب به ، وقال عمر : قاتل الله أخا بني المصطلق . أتى رجلان إلى
[ ص: 256 ] قال : وقد دل ما في آخر هذا الحديث من قول راويه ، قال أبو جعفر عبد الرحمن بن حاطب : فكأنني أنظر إليه متبعا لأحدهما على ما قد ذكرنا في إسناده أنه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، قال : ففي هذا الحديث ، أن عمر قال للغلام : اتبع أيهما شئت ، وهذا خلاف ما في حديثي ابن عمر وابن المسيب اللذين ذكرت .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه : أن ما في حديثي ابن عمر وابن المسيب في صبي لا يعبر عن نفسه ويد مدعييه عليه ، فرد حكمه إلى ما يقولان فيه ، فجعله إليهما جميعا .
وما في حديث يحيى بن عبد الرحمن في صبي سواه يعبر عن نفسه لو ادعاه أحد الرجلين ، أو رجل هو في يده لا يد عليه غير يده فدفعه عن ذلك لم تقبل دعواه إياه لدفعه إياه عنها ، فلم يقض عمر به لهما لذلك ، ورد الأمر في ذلك إلى ما يقوله الغلام المدعى فيه ، وهكذا نقول نحن في الغلام الذي لا يعبر عن نفسه إذا ادعاه رجلان أيديهما عليه لا يد عليه سوى أيديهما أنه يكون ابنهما جميعا ، وإذا كان يعبر عن نفسه لم يجعل ابنهما جميعا بدعواهما إياه ، وجعل ابن الذي يصدقه منهما على ما يدعيه فيه ، فكنا نحن المتمسكين بما روي عن عمر في هذه الآثار كلها ، وكان هو فيها بخلاف ذلك ، وعاد ما احتج به علينا لقوله فيما ذكرنا حجة لنا عليه فيما خالفنا فيه .
[ ص: 257 ] وفي حديث يحيى بن عبد الرحمن ما قد دل أن عمر لم يستعمل قول القافة لمعنى غير المعنى الذي ذكرنا ، وهو : أن قول القافة لو كان مستعملا في ذلك لكان الولد المدعى لما صدق أحد مدعييه ، يكون قول القافة حجة للآخر أنه ابنه ، ويكون كولد ادعاه رجلان ، فصدق أحدهما وكذب الآخر ، فأقام الآخر بينة أنه ابنه أنه مأخوذ له بها ، وأنها أولى من قول الغلام ، ففي تركهم الأخذ له بقول القافة في ذلك أن لا معنى كان لقول القافة عنده من وجوب حكم به في نسب ، ولا في غيره .
فإن قال قائل : كيف يجوز ما ذكرت ، ويكون قول القافة عنده لا معنى له ، وهو قد دعاهم وسألهم عن ما خوصم إليه فيه ، ولم يكن ذلك إلا وبه حاجة إلى قولهم .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه قد كانت به حاجة إلى قولهم : إن الولد قد يكون من رجلين ، وإن ذلك غير مستحيل ، فيستعمل فيه الواجب استعماله بقول مدعيي الولد ، لا بقول القافة ، أو يكون محالا فلا يتشاغل بذلك ، ولا يقول فيه شيئا ، والدليل على أن ذلك كان كذلك :
أن حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، عن عوف بن أبي جميلة أبي المهلب : - رضي الله عنه - قضى في رجل ادعاه رجلان ، كلاهما يزعم أنه ابنه ، وذلك في الجاهلية ، فدعا عمر بن الخطاب عمر أم الغلام المدعى ، فقال : أذكرك بالذي هداك للإسلام لأيهما هو ؟ قالت : لا ، [ ص: 258 ] والذي هداني للإسلام لا أدري لأيهما هو ، أتاني هذا أول الليل ، وأتاني هذا آخر الليل ، فما أدري لأيهما هو ، فدعا عمر من القافة بأربعة ودعا ببطحاء فنثرها ، فأمر الرجلين المدعيين فوطئ كل واحد منهما بقدم وأمر المدعى ، فوطئ بقدم ، ثم أراه القافة ، فقال : انظروا فإذا أثبتم فلا تكلموا حتى أسألكم ، فنظر القافة فقالوا : قد أثبتنا ، ثم فرق بينهم ، ثم سألهم رجلا رجلا ، فتعاقدوا ، يعني : فتتابعوا أربعتهم ، كلهم يشهد أن هذا لمن هذين ، فقال عمر : يا عجبا لما يقول هؤلاء ، قد كنت أعلم أن الكلبة تلقح بالكلاب ذوات العدد ، ولم أكن أشعر أن النساء يفعلن ذلك قبل هذا ، إني لأرى ما ترون ، اذهب فإنهما أبواك . أن
[ ص: 259 ] فدل ما ذكرنا على أن عمر - رضي الله عنه - إنما احتاج إلى القافة لتنتفي الإحالة عن الدعوى ، لا لما سوى ذلك ، والدليل على أن مذهب عمر كان ألا يقضى بقول القافة في نسب ولا في غيره .
4783 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا المزني . وما قد حدثنا الشافعي علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المزني : عن ، وقال سفيان بن عيينة علي : قال : أخبرنا ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد أبيه ، قال : - رضي الله عنه - إلى شيخ من عمر بن الخطاب بني زهرة من أهل دارنا ، فذهبت مع الشيخ إلى عمر وهو في الحجر ، فسأله [ ص: 260 ] عن ولاد من ولاد الجاهلية ، قال : وكانت المرأة في الجاهلية إذا طلقها زوجها أو مات عنها ، نكحت بغير عدة ، فقال الرجل : أما النطفة ، فمن فلان ، وأما الولد فعلى فراش فلان ، فقال عمر : صدق ، ولكن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش أرسل .
قال : أفلا ترى أن أبو جعفر عمر لم يلتفت إلى ما قال ذلك الرجل المسؤول في النطفة ، وهي ما سئل به القافة على ما يقولونه في ذلك ، ورد الحكم إلى ما يخالفه مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به ، وما يؤكد ذلك أيضا : أن أهل الإسلام لم يختلفوا في الرجل ينفي ولد زوجته التي قد ولدته على فراشه ، ويقول : ليس هو مني ، وتقول أمه : هو منه ، أنه يلاعن بينهما ، وينفى منه ، ويرد إلى أمه ، وأن أمه لو جاءت لجماعة من القافة يشهدون لها بتصديقها ، وأن الولد منه ، أن قولهم في ذلك كلا قول ، وأن حكم اللعان الذي يكون نفي نسبه به منه قائما على حاله ، وأن قول القافة في ذلك ليس كشهادة بينة عادلة عليه أنه ابنه ، هذه يقضى بها ، ولا يستعمل معها اللعان .
وفي ذلك ما قد دل أن أقوال القافة فيما ذكرنا ليس بحجة ، وإنما كانت أقوال القافة تستعمل في الجاهلية في مثل هذا المعنى في ما [ ص: 261 ] قد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد الأحكام إلى خلافه مما أهل الإسلام عليه .
4784 - مما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، قال : أخبرني ابن شهاب : عروة بن الزبير أخبرته أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل ابنته فيصدقها ، ثم ينكحها . عائشة
ونكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ، ولا يمسها أبدا حتى يبين حملها من ذلك الرجل ، الذي يستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب ، وإنما يصنع ذلك رغبة في نجابة الولد ، وكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .
ونكاح آخر : يجتمع الرهط دون العشرة يدخلون على المرأة ، فكلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ، ومرت ليال بعد أن تضع حملها ، أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمرها ، وقد ولدت ، وهو ولدك يا فلان ، وتسمي من أحبت منهم باسمه ، فيلحق به ولدها ، لا يستطيع أن يمتنع .
ونكاح رابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة ، فلا تمتنع ممن جاءها ، وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات ، فمن أرادهن دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ، ووضعت حملها ، جمعوا لها [ ص: 262 ] ودعوا لهم القافة ، فألحقوا ولدها بالذي يرون ، ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث الله - عز وجل - محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم . أن
قال : ففي هذا الحديث نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قول القافة فيما كان يستعمل فيه مما ذكرناه في هذا الحديث ، ورد أحكام الأنساب إلى الفرش لا إلى ما سواها .
وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب ، فأما أبو حنيفة والثوري وسائر أهل الكوفة ، فلا يستعملون للقافة قولا في شيء من الأشياء .
وأما مالك فقد كان يستعمل أقوال القافة في الإماء ، ولا يستعمله في الحرائر ، وفي نفيه استعماله في الحرائر ما يجب به نفي استعماله في الإماء . وأما : فقد كان يستعمله في الحرائر ، وفي الإماء جميعا ، وفيما تقدم ذكرنا له في هذا الباب مما قد وضح به الأمر في أقوال القافة بما قد ذكرناه فيه مما يوجب نفيه في الأشياء كلها ، والله نسأله التوفيق . الشافعي