[ ص: 231 ] 388 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل وفي وجوب الاقتصار على ذلك ، وفيما روي عنه مما يوجب خلاف ذلك وفي الأولى منهما ما هو
2443 - حدثنا قال : حدثنا يونس قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن الليث قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، وحدثنا بكير بن الأشج قال : حدثنا الربيع المرادي شعيب بن الليث قال : حدثنا ، عن الليث ، عن يزيد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سليمان بن يسار عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : أبي بردة بن نيار لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله .
[ ص: 232 ] قال : فلم يذكر أبو جعفر الليث عن يزيد في هذا الحديث بين عبد الرحمن بن جابر وبين أحدا ، وقد ذكر غيره بينهما أباه أبي بردة جابرا .
2444 - كما حدثنا قال : أخبرني أحمد بن شعيب محمد بن وهب بن أبي كريمة قال : حدثنا ، عن محمد بن سلمة أبي عبد الرحيم ، قال : حدثني ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكر بن عبد الله قال : سليمان بن يسار سليمان إذ جاءه عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان ، ثم أقبل عليهم سليمان فقال : حدثني عبد الرحمن بن جابر أن حدثه أنه سمع أباه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا جلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل أبا بردة الأنصاري بينا أنا عند .
[ ص: 233 ] وقد وافق زيدا على ما روى من ذلك زيادة على ما رواه الليث فيه : أسامة بن زيد الليثي وعمرو بن الحارث الأنصاري ، فروياه عن بكير كذلك .
2445 - كما حدثنا صالح بن حكيم النصري التمار أبو شعيب قال : حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي قال : حدثنا ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أسامة بن زيد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سليمان بن يسار عبد الرحمن بن جابر ، عن ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي بردة بن نيار لا يحل لرجل أن يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل .
2446 - وكما حدثنا قال : حدثنا عمي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثني عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث الأنصاري قال : كنت عند بكير بن عبد الله بن الأشج سليمان بن يسار إذ جاءه عبد الرحمن بن جابر فحدث ، ثم أقبل علينا سليمان بن يسار سليمان بن يسار فقال : حدثني عبد الرحمن بن جابر أن حدثه أنه سمع أباه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبا بردة بن نيار لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل .
[ ص: 234 ] فقال قائل : هذا الحديث قد تركوه أهل العلم جميعا ؛ لأنهم لم يختلفوا في التعزير أن للإمام أن يتجاوز به عشرة أسواط ، وإنما يختلفون فيما لا يتجاوزه بعدها في ذلك ، فتقول طائفة منهم : لا يتجاوز به تسعة وثلاثين سوطا ، وممن قال ذلك : أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي ، وتقول طائفة منهم : لا يتجاوز خمسة وسبعين سوطا ، وممن قال ذلك منهم ابن أبي ليلى .
وتقول طائفة منهم : لا يتجاوز تسعة وسبعين سوطا ، وممن قال ذلك منهم مرة . أبو يوسف
وتقول طائفة منهم : إنه يتجاوز به إلى ما رأى وإن تجاوز ذلك أكثر الحدود التي حدها الله عز وجل لعباده على قدر الجرم وممن قال ذلك منهم : مالك بن أنس وأبو يوسف مرة ، وقال مرة أخرى القول الذي ذكرناه عنه ، وقال مرة أخرى بقول ، وفي ذلك ما قد دل على تركهم هذا الحديث ، فمن أين جاز لهم تركه ؟ أبي حنيفة
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء الذين سمينا وإن كانوا قد خالفوا ما في الحديث وتركوه ، فقد قال به من سواهم من فقهاء الأمصار ، وهو قال به مرة وتركه مرة أخرى ، وقال في قوله الذي قال به فيه يخالف بين العشرة على مقدار الجرم ، فإن كان غليظا غلظ في العشرة ، وإن كان خفيفا خفف فيها . الليث بن سعد
فقال هذا القائل : فهل للآخرين حجة في خلافهم هذا الحديث ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن الحجة لهم في اتساع [ ص: 235 ] خلافهم له ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلده في الخمر .
2447 - كما حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى القطان ، عن سعيد بن أبي عروبة الداناج ، عن حضين بن منذر الرقاشي أبي ساسان ، عن رضي الله عنه قال : علي وأبو بكر رضي الله عنه أربعين وكملها عمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين .
2448 - وحدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا ، [ ص: 236 ] قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم عبد العزيز بن المختار الأنصاري قال : حدثنا عبد الله الداناج قال : حدثنا حضين بن المنذر الرقاشي قال : رضي الله عنه وقد أتي عثمان بن عفان بالوليد بن عقبة ، وقد صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا ، وقال : أزيدكم ؟ قال : فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أحدهما أنه رآه يشربها ، وشهد الآخر أنه رآه يقيئها فقال عثمان : إنه لم يقئها حتى شربها ، فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما : أقم عليه الحد . فقال علي رضي الله عنه لابنه الحسن : أقم عليه الحد ، فقال الحسن : ول حارها من تولى قارها . فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد فأخذ السوط وجعل يجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين ثم قال : أمسك ، ثم قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم حد أربعين ، وجلد عمر ثمانين وكل سنة . قال علي رضي الله عنه : وهذا أحب إلي شهدت .
[ ص: 237 ] فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين فاحتمل أن يكون ذلك ؛ لأنه كان الحد في الخمر ، واحتمل أن يكون ذلك لا لأنه كان حدا فيها ، ولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد في ذلك إلى جلد معلوم ، فنظرنا في ذلك .
فوجدنا سليمان بن شعيب قد حدثنا ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح قال : حدثنا ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن مطرف قال : قال عمير بن سعيد النخعي رضي الله عنه : علي . من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه ، لأنه شيء صنعناه
2449 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال : حدثنا ، عن شريك ، عن أبي حصين ، عن عمير بن سعيد رضي الله عنه قال : علي ما حددت أحدا حدا فمات فيه [ ص: 238 ] فوجدت في نفسي شيئا إلا الخمر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيها شيئا .
فوقفنا بذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن جلد شارب الخمر على ما في حديث حضين عن علي رضي الله عنه أربعين قصدا منه إلى الأربعين ، ولكن قصدا منه إلى جلد لا توقيت فيه .
ودل على ذلك أيضا ما قد روي عن علي رضي الله عنه من غير هذه الجهة . كما حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه قال : بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان [ ص: 239 ] فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ، ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال : إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله عز وجل علي . أتي
قال : فدل ذلك من تجاوز علي الأربعين إلى ما فوقها في الخمر أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في الجلد فيها لم يكن طلبا منه لعدد معلوم ، وفي ذلك ما قد دل على أنه لم يكن حدا وإنما كان تعزيرا .
وقد دل على ذلك أيضا ما قد رواه غير علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
[ ص: 240 ] فمنهم : عبد الرحمن بن أزهر .
2450 - كما حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا أسامة بن زيد قال : حدثني ابن شهاب عبد الرحمن بن أزهر الزهري قال : خالد بن الوليد ، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما في أيديهم ، ثم حثا عليه التراب ، ثم أتي أبو بكر رضي الله عنه بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين ، ثم أتي عمر رضي الله عنه بسكران فضربه أربعين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل .
[ ص: 241 ] أفلا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه إنما كان ضرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين في ذلك على التحري لضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في مثله ، لا لأن ذلك الضرب كان مقصودا به إلى عدد معلوم .
ومنهم : . أبو سعيد الخدري
2451 - كما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي التياح أبي الوداك ، عن قال : أبي سعيد لا أشرب نبيذ الجر بعد إذ أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشوان ، فقال : يا رسول الله ما شربت خمرا إنما شربت نبيذ تمر وزبيب في دباء ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلهز بالأيدي وخفق بالنعال .
[ ص: 242 ]
2452 - وكما حدثنا محمد بن يحيى بن مطر قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن المسعودي زيد العمي ، عن أبي الصديق أو ، عن أبي نضرة رضي الله عنه أبي سعيد الخدري عمر رضي الله عنه لكل نعل سوطا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين ، فجعل .
ومنهم : . أبو هريرة
2453 - كما قد حدثنا قال : حدثنا يونس ، عن [ ص: 243 ] أنس بن عياض ، عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة رضي الله عنه أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشارب ، فقال : اضربوه فمنهم من ضربه بيده وبثوبه ونعله .
ومنهم عقبة بن الحارث .
2454 - كما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ( ح ) وكما حدثنا عفان قال : حدثنا ابن أبي داود ، وكما حدثنا سليمان بن حرب محمد بن خزيمة قال : حدثنا قالوا : حدثنا المعلى بن أسد ، عن وهيب ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة عقبة بن الحارث قال : بالنعيمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سكران فشق على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فأمر من كان في البيت أن يضربوه فضربوه بالنعال والجريد على عقبه ، وكنت فيمن ضربه أتي [ ص: 244 ] غير أن قال في حديثه : ابن أبي داود بالنعيمان أو ابن النعيمان .
ومنهم رضي الله عنه . أنس بن مالك
2455 - كما حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري قال : حدثنا قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، عن هشام ، [ ص: 245 ] عن قتادة رضي الله عنه أنس أبو بكر رضي الله عنه أربعين ، فلما ولي عمر رضي الله عنه دعا الناس فقال : ما ترون في حد الخمر ؟ فقال له : أرى أن تجعله كأخف الحدود وتجعل فيه ثمانين عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد .
[ ص: 246 ]
2456 - وكما حدثنا فهد قال : حدثنا قال : حدثنا موسى بن داود ( ح ) وكما حدثنا همام الكيساني قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد قال : حدثنا قالا جميعا عن شعبة ، عن قتادة رضي الله عنه أنس بن مالك أبو بكر مثل ذلك ، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال : يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانين . ففعل ذلك عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر ، فأمر به فضرب بالجريد نحوا من أربعين ، ثم صنع .
[ ص: 247 ] قال : أفلا ترى إلى ما قد رويناه عن أبو جعفر علي من قوله في حد الخمر : إنه شيء صنعناه ، وما في حديث غيره من التحري المذكور فيه ، وفي ذلك ما قد دل أنه لم يكن في الخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حد معلوم ، ولا من بعده حتى كان من أصحابه رضوان الله عليهم في ذلك ما كان منهم فيه .
وإذا كان الذي قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يكن حدا كان تعزيرا ، وفيه تجاوز العشرة إلى ما فوقها مما ذكر في تلك الأحاديث ، وفيها عن علي ما كان منه في النجاشي تعزير العشرين ، وفي ذلك ما قد تجاوز العشرة .
وفيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على أن للإمام أن يتجاوز العشرة في التعزير إلى ما فوقها مما يجوز أن يتجاوزها إليه ، وفي ذلك ما قد عارض حديث أبي بردة الذي ذكرنا وفي معارضته إياه ما قد تكافأ الحديثان ، إذ لا نعلم المنسوخ منهما من الناسخ ، فإذا تكافآ اتسع النظر للمختلفين في ذلك وطلب الأولى من ذينك المعنيين فوسعهم بذلك ترك حديث أبي بردة إلى خلافه مما قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقوبة في شرب الخمر ، بل لو قال قائل : إنه أولى من حديث أبي بردة لعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده به ، فكان غير معنف في ذلك ، والله عز وجل نسأله التوفيق .