[ ص: 376 ] 64 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في { صلاته على الجهنية التي رجمها بإقرارها عنده بالزنا ، وفي تركه الصلاة على ماعز الذي رجمه بإقراره عنده }
427 - حدثنا مالك بن يحيى أبو غسان الهمداني ، حدثنا ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة أبي المهلب ، عن : { عمران بن حصين علي : تصلي عليها وقد زنت ؟ فقال عليه السلام : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى أن امرأة من جهينة أتت النبي عليه السلام وهي حبلى من الزنا فقالت : يا رسول الله ، إني أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا النبي عليه السلام وليها فقال له : أحسن إليها ، فإذا وضعت حملها فائتني بها ، ففعل فأمر بها النبي عليه السلام فشدت عليها ثيابها ، وأمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها فقال له } .
[ ص: 377 ]
428 - حدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب إسماعيل بن مسعود ، حدثنا ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن هشام مثله ، غير أنه قال مكان " فقال له يحيى علي " : " فقال له عمر " رضي الله عنهما .
429 - حدثنا ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي قلابة أبي المهاجر ، عن ... فذكر مثله ، غير أنه قال مكان ما في الحديث الأول " فقال له عمران علي " : " فقال له عمر " .
430 - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ، ثم ذكر مثل حديث الأوزاعي ابن عبد الحكم في إسناده ومتنه سواء .
ففيما روينا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المرجومة في الزنا :
431 - حدثنا ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، محمد بن يحيى النيسابوري ونوح بن حبيب القومسي ، قالا : حدثنا ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، [ ص: 378 ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : { جابر أن رجلا من أسلم جاء النبي عليه السلام فاعترف بالزنا فأعرض عنه ، ثم اعترف فأعرض عنه ، حتى شهد على نفسه أربع مرات . فقال النبي عليه السلام : أبك جنون ؟ قال : لا ، قال : أحصنت ؟ قال : نعم ، فأمر به النبي عليه السلام فرجم ، فلما أذلقته الحجارة فر ، فأدرك فرجم حتى مات . فقال له النبي عليه السلام خيرا ، ولم يصل عليه } .
ففي هذا تركه الصلاة على هذا المرجوم في الزنا وهو ماعز بن مالك ، فتأملنا جميع ما روينا في كل واحد من هذين المرجومين في الزنا في صلاة رسول الله عليه السلام على من صلى عليه منهما ، وفي تركه الصلاة على من ترك الصلاة عليه منهما ، لأي معنى كان ذلك منه .
فوجدنا المرأة التي رجمها لإقرارها عنده بالزنا كان منها لله تعالى في إقرارها عنده بذلك جود منها بنفسها له ، وبذل منها نفسها لإقامة الواجب في ذلك الزنا عليها ، وفي صبرها على ذلك حتى أخذ منها ، وكان ذلك منها موجبا لحمدها فصلى عليها ، إذ كان من سنته عليه السلام صلاته على المحمودين من أمته .
[ ص: 379 ] ووجدنا ما كان من الرجل الذي كان أقر عنده بالزنا بخلاف ذلك ؛ لأنه لم يجئ إليه باذلا لنفسه في رجمه إياه الذي يكون به موته ، وإنما جاءه ؛ لأنه يرى أنه لا يفعل ذلك به ، وسنأتي بما روي في ذلك فيما بعد من كتابنا إن شاء الله ، ثم كان منه بعد ذلك - قبل أن يؤتى على نفسه - هربه من إقامة عقوبة الله عليه التي أوجبها ما أقر به على نفسه عليه ، فكان في ذلك موقع الريب في أمره ؛ لأنه قد يحتمل أن يكون ذلك الهرب كان منه لرجوع كان عما أقر به ، أو فرارا من إقامة العقوبة التي قد لزمته عليه ، وكان مذموما في كل واحدة من هاتين الحالتين ، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه لذلك ؛ لأن من سنته أن لا يصلي على المذمومين من أمته ، كما لم يصل على قاتل نفسه ، وإن كان مسلما ، وكما لم يصل على الغال من الغزاة معه بخيبر ، وقد ذكرنا ما روي في ذلك بأسانيده فيما تقدم منا في كتابنا هذا في باب ما روي عنه في أمرعبد الله بن أبي بن سلول من صلاته عليه أو من ترك صلاته عليه ، فمما روي في أمر المرجوم الذي قد ذكرنا من هربه عن استتمام الرجم وما كان من رسول الله عليه السلام من القول عندما بلغه ذلك منه .
432 - ما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا إسماعيل بن سالم الصائغ ، حدثنا ، أخبرني أبو معاوية ، عن النعمان بن ثابت ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة قال : { أبيه ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس فأقر بالزنا فرده أربع مرات ، ثم أمر برجمه فأقاموه في مكان قليل الحجارة ، فلما أصابته الحجارة جزع فخرج يشتد حتى أتى الحرة ، فثبت لهم فيها ، فرموه بجلاميدها ، حتى سكت فقالوا : يا رسول [ ص: 380 ] الله ماعز حين أصابته الحجارة جزع فخرج يشتد فقال : هلا خليتم سبيله جاء } .
433 - وما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، حدثنا ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة قال : { أبي هريرة ماعزا حين وجد مس الموت والحجارة فر ، قال : أفلا تركتموه ؟ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن } .
434 - وما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم أبي الهيثم { بن نصر بن دهر الأسلمي ، عن أبيه قال : ماعزا فلما وجد مس الحجارة جزع جزعا شديدا ، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : فهلا تركتموه ؟ } قال : فذكرت ذلك من حديثه حين سمعته يقول : [ ص: 381 ] فهلا تركتموه ابن إسحاق فقال : حدثني لعاصم بن عمر بن قتادة قال : حدثني ذلك من قول رسول الله عليه السلام : { هلا تركتموه حسن بن محمد بن علي لماعز من ست من رجال أسلم ، وما أتهم القوم ، ولم أعرف الحديث ، فجئت فقلت : إن رجالا من جابرا أسلم يحدثون أن رسول الله عليه السلام قال لهم حين ذكروا جزع ماعز من الحجارة هلا تركتموه ، ما أتهم القوم ولا أعرف الحديث فقال : يا ابن أخي ، أنا أعلم هذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل فرجمناه ، فوجد مس الحجارة فصرخ بنا يا قوم ، ردوني إلى رسول الله عليه السلام فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي ، وأخبروني أن رسول الله عليه السلام غير قاتلي ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بما قال : قال فهلا تركتم الرجل وجئتموني به ليستثبت رسول الله عليه السلام } منه ، فأما لتركه حدا فلا كنت فيمن رجم ، فعرفت وجه الحديث .
435 - وما قد حدثنا ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الله المبارك ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم يزيد بن نعيم ، عن أبيه : { ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني زنيت فأقم علي كتاب الله حتى أتى أربع مرار . قال : اذهبوا به فارجموه ، فلما مسته الحجارة جمز ، فاشتد فخرج عبد الله من باديته فرماه بوظيف حمار فصرعه فرماه الناس حتى قتلوه [ ص: 382 ] فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فراره فقال : هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه جاء } .
وفيما روينا في هذا الفصل قول المرجوم للناس : إن قومي قتلوني ، وغروني من نفسي ، وأخبروني أن رسول الله عليه السلام غير قاتلي ، فدل ذلك أن مجيئه كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإقراره عنده بما أقر به ليس لأنه يرجمه الرجم الذي يكون فيه قتله ، ولكن لما سوى ذلك من نزول قرآن فيه بمعنى عسى أن لا يكون معه عقوبة له ، فلم يكن في ذلك كالجهنية المقرة عند رسول الله عليه السلام بالزنا على نفسها ، وطلبها منه إقامة العقوبة عليها ، وتردادها إليه لذلك في حال حملها ، وبعد وضعها حملها ، وبعد فطامها ولدها ، في ذلك ما قد دل على علمها كان بالعقوبة ؛ لأن ذلك لا يخفى على مثلها في مثل تلك المدة ، ولا يخفيه عليها من يراها تطلب إقامة الحد عليها فيما كان منها يغفر الله لها .
وفي ذلك ما قد دل على المعنى الذي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على ذلك المرجوم .
فإن قال قائل : ففي حديث جابر من رواية أبي سلمة عنه : { أن رسول الله عليه السلام لما بلغه ما كان منه قال له خيرا } . ففي ذلك ما قد دل على أنه كان عنده محمودا ، ولم يكن مذموما .
قيل له : في حديث جابر ما قد ذكرت ، وقد روي عن فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك في أمره خلاف ذلك . أبي سعيد الخدري
[ ص: 383 ]
436 - كما قد حدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب عبد الرحمن بن خالد ، يعني الرقي القطان ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة قال : { أبي سعيد ماعز إلى النبي عليه السلام فاعترف بالزنا أربع مرات ، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أمر به فرجم فرجمناه بالخزف والجندل والعظام ، وما حفرنا له ، وما أوثقناه ، فسبقنا إلى الحرة فاتبعناه ، فقام لنا فرميناه حتى سكت فما استغفر له النبي عليه السلام ، وما سبه جاء } .
ففي هذا الحديث خلاف ما في حديث جابر ، ثم تأملنا حديث جابر فوجدنا عن ابن بريدة ، عن النبي عليه السلام ما قد كشف المعنى لنا فيه .
437 - كما قد حدثنا ، أخبرني أحمد بن شعيب إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ، حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث ، حدثنا أبي ، حدثنا غيلان بن جامع ، عن ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة : { أبيه ماعز يومين أو ثلاثة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم جلوس ، فسلم ثم جلس . فقال : استغفروا لماعز بن مالك . فقالوا : غفر الله لماعز بن مالك . فقال النبي عليه [ ص: 384 ] السلام ، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها أنهم لبثوا بعد رمي } .
فوقفنا بذلك على أنه قد كان ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه ، ومن هذا القول المدة المذكورة في هذا الحديث ، ودل ذلك على أن الحمد لحقه من النبي عليه السلام بعد ذهاب وقت الصلاة عليه ، وإن كان غيره قد صلى عليه قبل ذلك ، ويحتمل أن يكون ذلك الحمد له لمعنى علمه النبي صلى الله عليه وسلم حدث في أمره من رحمة الله تعالى لحقته إما بوحي جاءه ، وإما برؤيا رآها فيه ؟ وقد وجدنا من ذلك شيئا في حديث قد روي عن . أبي هريرة
438 - وهو ما قد حدثنا قال : سمعت الحسين بن نصر يقول : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير عبد الرحمن بن هضاض ، عن : { أبي هريرة ماعز بن مالك زنى فأتى هزالا فأقر له أنه زنى ، فقال له هزال : ائت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قبل أن [ ص: 385 ] ينزل فيك قرآن ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فأعرض عنه حتى قال ذلك أربع مرار ، ثم أمر به أن يرجم فلجأ إلى شجرة فقتل فقال رجل لصاحبه : هذا قد قتل كما يقتل الكلب ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بحمار منتفخ ، فقال لهما : انهشا من هذا . قالا : يا رسول الله ، لا نستطيع جيفة منتنة ، فقال : ما أصبتما من أخيكما أنتن ؛ إنه يهش في أنهار الجنة ، ثم قال : ويحك يا هزال ، ألا سترته ، ويحك يا هزال ألا سترته أن } .
439 - وكما قد حدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب محمد بن حاتم بن نعيم ، أخبرنا ، أخبرنا حبان بن موسى ، عن عبد الله يعني : ابن المبارك ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير عبد الرحمن بن هضاض ، عن ، ثم ذكر مثله غير أنه قال : { أبي هريرة مكان يهش في أنهار الجنة ، إنه لينغمس في أنهار الجنة } .
فدل ما ذكرناه في حديث بريدة أن هذا القول كان من النبي عليه السلام لم يكن عقيبا لرجمه ماعزا ، وإنما كانت بينهما مدة وقف بها رسول الله عليه السلام من حقيقة ما صار إليه عند الله تعالى ، مما لم يكن واقفا عليه قبل ذلك ولا عالما به حتى أعلمه الله إياه ، وكان ما في حديث جابر فقال النبي عليه السلام له خيرا كان مؤخرا عن غير الصلاة عليه .
فأما في حديث ابن هضاض الذي رويناه مما حكي فيه من قول [ ص: 386 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجلين ما قال موصولا بانصرافهم من رجمه ، فذلك مستحيل ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحضر رجمه ، وإنما جاءه راجموه فأخبروه بما كان منهم ومنه ، ثم كان منه بعد ذلك هذا القول بعد وقوفه على حقيقة ما صار إليه عند ربه تعالى من عفوه عنه .