[ ص: 262 ] 516 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لأسامة بن زيد في الرجل الذي قتله بعد أن قال له : إني مسلم ، ما قال له في ذلك
3227 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : أسامة بن زيد جهينة يقال لهم الحرقات ، فأتيت على رجل منهم ، فذهبت لأطعنه ، فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فقتلته ، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : قتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله ! ! قلت : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا ، قال : فألا شققت عن قلبه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من .
[ ص: 263 ]
3228 - حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب محمد بن آدم ، عن ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : أسامة بن زيد الحرقات من جهينة ، فصبحنا وقد نذروا بنا ، فخرجنا في آثارهم ، فأدركت منهم رجلا فجعل إذا لحقته ، قال : لا إله إلا الله ، ثم قتلته ، وقلت : إنه لم يقلها من قبل نفسه ، إنما قالها فرقا من السلاح - قال : كأنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : أقال لا إله إلا الله ثم قتلته ؟ ! فهلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقا من السلاح . أبو جعفر
قال أسامة : فما زال يكررها علي : أقال لا إله إلا الله ثم قتلته ؟ ! حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى .
[ ص: 264 ]
3229 - حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - منصور بن أبي الأسود ، عن ، عن حصين ، قال : سمعت أبي ظبيان يقول : أسامة بن زيد الحرقات - حي من جهينة - فلما - يعني هزمناهم - ابتدرت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فقال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري ، وظننت أنما يقولها تعوذا فقتلته ، فرجع الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أسامة ، قتلت رجلا بعد أن قال - يعني لا إله إلا الله - كيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة ، فما زال [ ص: 265 ] يقول ذلك حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش إلى .
قال : ففي هذا الحديث قتل أبو جعفر أسامة الذي قتله بعد قوله : لا إله إلا الله ، وإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ، وأسامة فله من الإسلام الموضع الذي هو له منه .
فقال قائل : فهذا يدل على أن الحديث لا أصل له ، ولولا ذلك كذلك لما بقيت أحواله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه عنده قبل ذلك لإتيانه هذا الجرم العظيم .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون المعنى الذي به بقيت أحوال أسامة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الفعل الذي كان منه على ما كانت عليه قبل ذلك لمعنى أوجب له العذر في ذلك عنده ، وهو أنه كان وقف على أن من قال شيئا من الجنس الذي قاله ذلك الرجل بعد حلول أمور الله عز وجل التي أقبلت إليه بعقوبته لما كان عليه قبل ذلك ، لا يرفع ذلك القول منه عنه تلك العقوبة .
[ ص: 266 ] ومن ذلك قول الله عز وجل : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، فأعلم الله عز وجل أن الإقرار له عز وجل بالتوحيد عند رؤية البأس كلا قول ، وأنه لا يوجب رفع البأس عن الموحد له على تلك الحال .
ثم قال عز وجل : سنت الله التي قد خلت في عباده ، أي : الذين تقدموا ذلك الزمان كفرعون ودونه ، فقد كان منه لما أدركه الغرق أن قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، فأجيب عن ذلك بأن قيل له : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ، أي : أن هذا الذي كان منك بعد حلول ما كنت تحذره بك لا ينفعك .
فكان أسامة على مثل ذلك في الذي قال لا إله إلا الله لما جاءه البأس الذي أمر الله عز وجل باستعماله في مثله ، فلم ير ذلك القول منه يرفع ما أمر الله عز وجل باستعماله فيه لو لم يقله ، حتى وقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن مجيء البأس من قبل الله عز وجل ، بخلاف مجيء البأس من قبل عباده ، وأن الإقرار لله عز وجل بالتوحيد بعد مجيء البأس من قبله لا يرفع ذلك البأس ، وأن مجيء البأس من قبل عباده يرفعه ذلك القول ، فجاء عذر أسامة مما ذكرنا ، وفيما كان من أسامة مما استعمله ما يدل على أن الحوادث إذا كانت كان مباحا لنا استعمال رأينا فيها ، وردها إلى ما يرد مثلها إلى مثله من أحكام الله عز وجل ، وأنا إن خالفنا أحكامه في الحقيقة غير ملومين على ذلك ولا مأخوذين به .
[ ص: 267 ] ومثل هذا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : في القاضي إذا اجتهد فأصاب أن له أجرين ، وإذا اجتهد فأخطأ أن له أجرا ، وسنذكر ذلك بأسانيده فيما بعد من كتابنا هذا ، ونذكر مع ذلك معانيه التي قالها أهل العلم فيه ، والله نسأله التوفيق .