قال : وقد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا حديث أبو جعفر ، عن مالك بن أنس ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة لعائشة لما أبى أهل بريرة أن يبيعوها إلا أن يكون ولاؤها لهم : " خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق " .
فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة في بريرة : " خذيها واشترطي لهم الولاء " ، يعني لأهلها ، " فإنما الولاء لمن أعتق " .
فقال قائل : فكيف تقبلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقه لعائشة اشتراطا في ولاء بريرة إياها لأهلها ، وذلك مما لا يصح لهم ; إذ كانت شريعته تمنع من ذلك ، وترد ولاء من أعتق إلى من أعتقه ، وهو عليه [ ص: 215 ] السلام لا يقول إلا حقا ، ولا يأمر أحدا باشتراط ما لا يجب للمشترط له ؟
فكان جوابنا له في ذلك أن الذي نفاه من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقناه إليه ، فنفيناه عنه في غير هذا الموضع ، وكان هذا المعنى في حديث هذا لم نجده إلا في حديث عائشة هشام هذا ، ولم نجده في حديث هشام إلا من رواية مالك عنه ، فأما من سواه وهو عمرو بن الحارث والليث بن سعد فقد رويا ، عن ، فخالفا هشام بن عروة فيه ، وهو أنهما روياه على أن السؤال لولاء مالكا بريرة إنما كان من لأهلها بأدائها عنها مكاتبتها إليهم ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قوله عائشة لعائشة : " لا يمنعك ذلك منها ، ابتاعي وأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق " ، فكان ذلك دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها على الموضع الذي يكون به ولاء بريرة لها وهو ابتياعها إياها وإعتاقها لها بعد ذلك ، وهذا خلاف ما في حديث مالك عن الذي ذكرناه ، وإن كان حديث هشام بن عروة مالك عن الذي ذكرنا قد روي عنها بخلاف اللفظ الذي ذكرناه . هشام بن عروة
4393 - وهو ما قد حدثنا ، حدثنا المزني ، عن الشافعي ، عن مالك بن [ ص: 216 ] أنس ، ثم ذكر مثل حديث هشام بن عروة ابن وهب عن مالك ، عن الذي ذكرناه في باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يدل على مراد الله عز وجل بقوله في آية المكاتبين : هشام بن عروة وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، غير أنه قال : " خذيها وأشرطي ، فإنما الولاء لمن أعتق " ، فكان ذلك خلاف ما في حديث ابن وهب عن مالك ، عن هشام : " خذيها واشترطي الولاء لهم " ، لأن معنى : " وأشرطي " قد يحتمل أن يكون أراد به : وأظهري ، لأن الإشراط في كلام العرب هو الإظهار ، وأنشد قول أوس بن حجر :
فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
[ ص: 217 ] أي : أظهر نفسه ، وكان منه بعد ذلك ما كان .فمثل ذلك مما قد يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد بقوله : " وأشرطي " أي : أشرطي لهم الولاء الذي يوجبه عتاقك أنه يكون على ما توجبه الشريعة فيه لمن يكون ذلك العتاق منه دون من سواه .
وقد كان بعض الناس يذهب إلى معنى قوله : " واشترطي لهم الولاء " على ما في حديث ابن وهب عن مالك ، عن هشام إنما هو : واشترطي عليهم الولاء ، فممن قال ذلك : عبد الملك بن هشام النحوي ، كما حدثني محمد بن العباس قال : سألت عبد الملك بن هشام عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في لعائشة بريرة : " واشترطي الولاء لهم " ؟ قال : معناه : واشترطي الولاء عليهم ، قال : فقلت له : فهل من دليل على ذلك ؟ قال : نعم ، قول الله عز وجل : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ، بمعنى : فعليها .
[ ص: 218 ] فذكرت ذلك لأحمد بن أبي عمران ، فقال لي : قد كان محمد بن شجاع يحمل ذلك على معنى آخر ، وهو الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي ، ومنه قول الله عز وجل : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ، وقوله عز وجل : اعملوا ما شئتم ليس ذلك على إطلاقه ذلك لهم ، ولكن على وعيده إياهم إن عملوا ذلك ما أوعد أمثالهم على خلافهم أمره ، وقال : ألا تراه صلى الله عليه وسلم قد أتبع ذلك صعوده المنبر وخطبته على الناس بقوله لهم : " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى - وكتاب الله تعالى أحكامه - كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " ، ثم أتبع ذلك بقوله : " فإنما الولاء لمن أعتق " .
قال : وإذا كان أبو جعفر مالك قد روى هذا الحديث عن كما ذكرناه عنه ، وخالفه فيه عن هشام بن عروة هشام عمرو والليث ، كان اثنان [ ص: 219 ] أولى بالحفظ من واحد . وقد روي حديث هذا من غير هذا الوجه ، فممن رواه على خلاف ذلك عائشة ، فبعضهم يجعله عن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، وبعضهم يجعله عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ابن عمر . عائشة
4394 - كما قد حدثنا ، أنبأنا يونس أن ابن وهب أخبره عن مالكا ، عن نافع ابن عمر رضي الله عنها أرادت أن تشتري عائشة بريرة فتعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن الولاء لنا . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق أن .
4395 - وكما حدثنا حدثنا المزني ، ، عن الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ثم ذكر هذا الحديث . عائشة
فاختلف ابن وهب والشافعي على مالك في إسناد هذا الحديث [ ص: 220 ] على ما ذكرناه من اختلافهما عنه فيه ، فنظرنا ، هل نجده من رواية غير مالك عن نافع ، فيقوى في قلوبنا على أنه كما رواه الذي يوافق ذلك من ابن وهب ، ومن عن الشافعي مالك ؟
4396 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يزيد بن سنان ، أنبأنا محمد بن كثير العبدي ، عن همام بن يحيى ، عن نافع ابن عمر رضي الله عنها ساومت عائشة ببريرة ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إنهم أبوا أن يبيعوني إلا أن يشترطوا الولاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الولاء لمن أعتق أن .
فقوي في قلوبنا أن يكون حديث مالك كما رواه عنه ابن وهب ، لا كما رواه ، وقد روى حديث الشافعي هذا عنها عائشة ، فرواه أربعة عن الأسود بن يزيد إبراهيم عنه ، فاختلفوا عليه فيه
منهم : الحكم بن عتيبة .
4397 - كما حدثنا حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، ، حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم ، عن الأسود عائشة بريرة فتعتقها ، واشترط مواليها ولاءها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتري ، فأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق ، وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجها ، وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم ، فقيل له : هذا لحم تصدق به على بريرة ، فقال : " هو لها [ ص: 221 ] صدقة ، ولنا هدية أنها أرادت أن تشتري .
ومنهم : منصور بن المعتمر .
4398 - كما حدثنا ، حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، عن أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود عائشة بريرة لتعتقها ، فاشترط أهلها ولاءها ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني اشتريت ، أو أردت أن أشتري بريرة لأعتقها ، واشترط أهلها ولاءها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعطى الورق " ، أو قال : " لمن ولي النعمة ، فاشترتها فأعتقتها ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه - تعني زوجها - قال : وقال الأسود : كان زوجها حرا أنها اشترت .
[ ص: 222 ]
4399 - وكما حدثنا حدثنا أبو أمية ، ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود رضي الله عنها قالت : عائشة بريرة ، واشترط مواليها أن الولاء لهم ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها ، فإنما الولاء لمن ولي النعمة ، من أعطى الثمن اشتريت جارية يقال لها : .
وقد ذكرنا فيما تقدم منا في هذه الأبواب هذا الحديث أيضا من حديث أبي المحياة عن منصور .
ومنهم : الأعمش .
4400 - كما حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، حدثنا ، عن أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود رضي الله عنها قالت : عائشة بريرة - أن يبيعوها ، ويشترطوا لهم الولاء ، قالت : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها وأعتقيها " فإنما الولاء لمن أعتق عائشة وأراد أهلها - يعني .
[ ص: 223 ] ومنهم : حماد بن أبي سليمان .
4401 - حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، عن حماد بن سلمة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود عائشة بريرة فأعتقتها ، واشترطت لأهلها أن الولاء لهم ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الولاء لمن أعتق ، وقال لها : " يا بريرة ، اختاري ، فالأمر إليك ; إن شئت عند زوجك ، وإن شئت فارقتيه " ، فقالت : الأمر إلى الله ، قال لها : " اتق الله ، فإنه أبو ولدك " ، فاختارت نفسها ، وتصدق عليها بصدقة ، فأهدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : إنها صدقة تصدق بها عليها . قال : " هي لها صدقة ، ولنا هدية " ، قال إبراهيم : وكان زوجها حرا أنها اشترت .
فكان حديث الأسود هذا مختلفا في حديث الحكم أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها ، واشترط مواليها ولاءها ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : " لعائشة اشتريها فأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق " . وفي حديث منصور أنها اشترت بريرة لتعتقها ، فاشترط أهلها ولاءها ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني اشتريت أو أردت أن أشتري بريرة لأعتقها ، واشترط أهلها ولاءها ، وكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان بعد ذلك ، وفي حديث أن أهل الأعمش بريرة أرادوا أن يبيعوها ويشترطوا [ ص: 224 ] الولاء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد ذلك : " لعائشة اشتريها وأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق " . وفي حديث حماد أنها اشترت بريرة وأعتقتها ، واشترطت لأهلها الولاء ، وأن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " إن الولاء لمن أعتق " كان بعد ذلك كله . وهذا اختلاف شديد ، غير أنه لا شيء فيه من إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بريرة ما كان منهم من اشتراط الولاء ولا إطلاقه ذلك لهم . لعائشة
وممن رواه عنها أيضا : القاسم بن محمد .
4402 - كما حدثنا ، حدثنا أبو أمية محمد بن سابق ، حدثنا ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عائشة بريرة من ناس من الأنصار ، واشترطوا الولاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن ولي النعمة ، وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان زوجها عبدا ، وأهدت إلى لحما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو صنعتم لنا من هذا اللحم شيئا " ، فقالت عائشة : تصدق به على عائشة بريرة ، قال : " هو عليها صدقة ، وهو لنا هدية أنها اشترت .
ففي هذا الحديث تقدم شراء عائشة بريرة واشتراط أهلها ولاءها ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولاء لمن ولي النعمة " .
[ ص: 225 ] ومنهم : ، فروته عن عمرة بنت عبد الرحمن رضي الله عنها . عائشة
4403 - كما حدثنا ، أنبأنا يونس أن ابن وهب أخبره عن مالكا ، عن يحيى بن سعيد عمرة بنت عبد الرحمن بريرة جاءت تستعين أم المؤمنين ، فقالت لها عائشة : إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت ، فذكرت عائشة بريرة ذلك لأهلها ، فقالوا : إلا أن يكون ولاؤك لنا ، قال مالك : قال يحيى : فزعمت أن عمرة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها فأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق . عائشة أن
ففي هذا الحديث أيضا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراء عائشة بريرة لا [ ص: 226 ] يشترط في شرائها إياها في ولائها .
ومنهم أيضا : أيمن أبو عبد الواحد بن أيمن .
4404 - كما حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو نعيم عبد الواحد بن أيمن ، حدثني أبي قال : ، فقالت : دخلت علي عائشة بريرة وهي مكاتبة ، فقالت : اشتريني فأعتقيني ، فقلت : نعم ، فقالت : إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي ، فقلت لها : لا حاجة لنا بذلك ، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بلغه ، فذكر ذلك ، فذكرت لعائشة ما قالت لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتريها فأعتقيها ، ودعيهم فليشترطوا ما شاؤوا " ، فاشترتها عائشة فأعتقتها ، واشترط أهلها الولاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق ، وإن اشترطوا مائة شرط عائشة دخلت على .
فكان الذي في حديث أيمن هذا خلاف ما حكاه فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " دعيهم فليشترطوا ما شاؤوا " على الوعيد ، وهو خلاف ما [ ص: 227 ] في أحاديث من سواه من رواة هذا الحديث الذين قد ذكرناهم في هذا الباب ، وما رواه الجماعة في ذلك مما يخالف أيمن فيه أولى بعائشة مما رواه أيمن عنها فيه .
وقد وجدنا هذا الحديث أيضا من حديث عن إسماعيل بن جعفر ربيعة ، عن القاسم بما معناه معنى الوعيد أيضا .
4405 - كما حدثنا ، حدثنا يوسف بن يزيد ، أنبأنا سعيد بن منصور ، عن إسماعيل بن جعفر أنه سمع ربيعة يقول : القاسم بريرة ثلاث سنن ; أرادت أن تشتريها وتعتقها ، فقال أهلها : ولنا الولاء ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو شئت شرطتيه لهم ، فإنما الولاء لمن أعتق ، ثم قام بعد الظهر أو قبلها ، فقال : " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، الولاء لمن أعتق " ، وأعتقت عائشة بريرة ، فخيرت أن تقيم تحت زوجها أو تفارقه ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بيت وعلى النار برمة تفور ، فدعا بغداء فأتي بخبز وأدم من أدم البيت ، فقال : " ألم أر في البيت لحما ؟ " قالوا : بلى ، ولكنه لحم تصدق به على عائشة بريرة ، فأهدته لنا ، قال : " هو صدقة عليها ، ولنا هدية " . كان في
[ ص: 228 ] وكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " اشترطيه لهم " يعني الولاء الذي سألوه على الوعيد ، لا على إطلاقه ذلك لها أن تشترطه لهم . لعائشة
وفي جملة ما ذكرنا سوى حديث مالك عن ليس فيه إطلاق من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة في شرائها هشام بن عروة بريرة اشتراط ولائها بعد إعتاقها إياها لأهلها .
فبان بحمد الله تعالى انتفاء ما قد نفيناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من إطلاقه اشتراط ولاء لعائشة بريرة في عتاقها إياها لأهلها مع ما احتمله حديث مالك ذلك ، عن هشام في التأويلين اللذين ذكرناهما فيه .
ومما يدل أيضا على أن الأمر في ذلك على ما قد ذكرناه من انتفائه به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد وقف على ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ، وعلى ما كان قد جرى أمر لعائشة بريرة عليه في ذلك ، ثم قال بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
ما قد حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو غسان ، عن [ ص: 229 ] زهير بن معاوية ، حدثني عبيد الله بن عمر ، عن نافع قال : ابن عمر . لا يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه باعه ، وإن شاء وهبه ، لا شرط فيه
[ ص: 230 ]
وما قد حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، حدثنا ، حدثنا سعيد بن منصور ، أنبأنا هشيم ، عن يونس بن عبيد عن نافع ، ابن عمر . أنه كان يكره أن يشتري الرجل الأمة على أن لا يبيع ولا يهب
ففي حديثي هذين كراهة الشراء على الشرط المشروط فيه ، وفي ذلك ما قد دل على أن أمر ابن عمر بريرة لم يجر على خلاف ذلك ، وأن عقد البيع كان فيها بين وبين أهلها مما قال لها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال لم يكن بإيجاب شرط لأهلها عليها في ابتياعها لها منهم من ولاء ، ولا مما سواه . عائشة
قال : وقد ذكرنا في هذا الباب في حديث أبو جعفر عن أبيه ، عن هشام بن عروة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " اشترطي الولاء لهم " يعني أهلها ، وذكرنا أنا لم نجد هذا المعنى في حديث عائشة هشام هذا إلا في حديث مالك إياه به عنه ، ثم وجدنا بعد ذلك قد وافق جرير بن عبد الحميد على ذلك ، فذكر هذا المعنى في حديث مالكا هذا ، كما ذكره هشام بن عروة مالك في حديثه عنه .
4406 - كما حدثنا ، أنبأنا أحمد بن شعيب ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن هشام بن عروة ، [ ص: 231 ] عن أبيه قالت : عائشة بريرة على نفسها بتسع أواق ; في كل عام أوقية كاتبت ، ثم ذكر الحديث بمعنى ما ذكره مالك في حديثه عن هشام ، وقال فيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ، ثم ذكر بعد ذلك بقية ما في حديث ابتاعيها ، واشترطي لهم الولاء ، فإن الولاء لمن أعتق مالك عن هشام .
قال : والكلام بعد ذلك في رواية أبو جعفر جرير عن هشام إياه كذلك ، كالكلام الذي ذكرناه في رواية مالك إياه عن هشام فيما تقدم منا في هذا الباب ، ووجدناه أيضا في رواية يزيد بن رومان عن عروة كذلك ، إلا أنه لم يذكره عن ، ولكنه ذكره عن عائشة بريرة .
4407 - كما حدثنا ، أنبأنا أحمد بن شعيب ، عن عمرو بن علي ، حدثنا الثقفي مذ ستين سنة ، عن عبيد الله بن عمر يزيد بن رومان ، عن ، عن عروة أنها قالت : بريرة رضي الله عنها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما هذا [ ص: 232 ] اللحم ؟ " فقالت : لحم تصدق به على لعائشة بريرة ، فأهدته لنا ، فقال : " هو على بريرة صدقة ، وهو لنا هدية " ، وكاتبت على تسع أواق ، فقالت : إن شاء مواليك عددت ثمنك عدة واحدة ، فقالت : إنهم يقولون : إلا أن تشترطي لهم الولاء ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها ، واشترطي لهم ، فإنما الولاء لمن أعتق ، قالت : وأعتقتني ، فكان لي الخيار عائشة كان في ثلاث من السنة ; تصدق علي بلحم فأهديته .
قال : فالكلام في هذا كالكلام فيما ذكرنا في حديث أبو جعفر هشام في ذلك المعنى في هذا الباب . وبالله التوفيق .