[ ص: 169 ] 433 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : والخال وارث من لا وارث له
2748 - حدثنا ، عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي ميسرة المكي أبو يحيى جميعا قالا : حدثنا وإبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد بديل بن ميسرة العقيلي ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ، عن راشد بن سعد أبي عامر الهوزني ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المقدام الكندي أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فمن ترك كلا أو ضيعة فإلي ، ومن ترك مالا فهو لورثته ، وأنا مولى من لا مولى له ، أرث ماله وأفك عانه ، والخال وارث من لا وارث له ، يرث ماله ويفك عانه .
[ ص: 170 ] قال : فكان هذا الحديث مما يحتج به من كان يذهب إلى توريث ذوي الأرحام ، ويقتدي في ذلك بمن كان يذهب إليه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم ، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، فعارض الذاهبون إلى ذلك ، المحتجون فيه بهذا الحديث ، المقتدون فيه بمن ذكرنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال : إن الخال الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما هو الذي يجمع مع الخؤولة للمتوفى العصبة له من قبل آبائه ، وذكر في ذلك .
[ ص: 171 ]
2749 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، وما قد حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا ابن أبي مغيرة بدل بن المحبر قالا : حدثنا ، عن شعبة بديل بن ميسرة ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ، عن راشد بن سعد أبي عامر ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المقدام الكندي من ترك كلا فإلينا أو إلى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ترك مالا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له ، أرث ماله وأعقل عنه ، والخال وارث من لا وارث له ، يرث ماله ويعقل عنه .
فقال هذا المعارض : إنما ذلك الخال الذي قصد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قصد به إليه هو الخال الذي يعقل الجنايات ، وهو من كان من الخؤولة عصبة دون من سواه من الخؤولة الذين لا يعقلون الجنايات ؛ لأنهم ليسوا عصبات .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الذي ذكر من ذلك ليس كما ذكر ، وأن هذا الحديث حقيقته على ما رواه حماد بن [ ص: 172 ] زيد عليه ، لا على ما رواه عليه ، وإنما أتي شعبة في ذلك ؛ لأنه كان يحدث من حفظه ولا يرجع إلى كتابه ، ويحدث بمعاني ما سمع ، لا بألفاظه التي سمعها ممن حدثه ، إذ كان ذلك مما يعجز عنه ، ولم يكن فقيها فيرد ذلك إلى الفقه حتى تتميز معانيه في قلبه شعبة كمالك والثوري ، والدليل على فساد ما روى : هذا الحديث عليه ، وعلى أن الأولى منه ما رواه عليه أن في حديثيهما جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والخال وارث من لا وارث له ، فدل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إنما قصد بذلك إلى الخال الذي لا يرث مع وارث سواه من ذوي الأنساب . حماد بن زيد
وقد وجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون فيمن كان عصبة ممن هو خال ، وممن هو ليس بخال يرث مع ذوي الفرائض المسماة من ذوي الأرحام ، فيرث مع الأم ما يفضل من الميراث بعد نصيبها ، وهو الثلث أو السدس ، ويرث مع البنت الواحدة ، ومع البنات اللاتي فوق الواحدة ما يفضل عن أنصبائهن ، وهو النصف للواحدة والثلثان لمن هو فوق الواحدة منهن ، أعني بذلك أنصباء من يرثه من البنات ، ويرث مع الأخت الواحدة إما لأب وأم ، وإما لأب ما يفضل عنها ، ومع من فوقها من الأخوات اللاتي من أشكالها ما يفضل عنهن من مواريثهن عنه .
فدل ذلك أن الخال الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم هو الخال الذي ليس بعصبة مع تبيانه ذلك صلى الله عليه وسلم لنا بقوله : والخال وارث من لا وارث له ، فأوضح بذلك أنه إنما قصد من الخؤولة من لا يرث مع ذوي الفرائض المسماة ممن ذكرناه ، وهو من ليس بعصبة من الأخوال .
[ ص: 173 ] ثم وجدنا غير ، وغير حماد بن زيد قد روى هذا الحديث بمثل ما رواه شعبة به ، لا كمثل ما رواه حماد بن زيد به . شعبة
2750 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثني معاوية بن صالح أنه سمع راشد بن سعد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : المقدام بن معدي كرب الله ورسوله مولى من لا مولى له ، يرث ماله ويفك عنوه ، والخال وارث من لا وارث له ، يرث ماله ويفك عنوه .
[ ص: 174 ]
2751 - وكما حدثنا فهد بن سليمان ، ، واللفظ وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي لفهد قالا : حدثنا ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، ثم ذكر بإسناده مثله . معاوية بن صالح
وكان هذا الحديث حدث به عن معاوية بن صالح راشد بن سعد ، وهو الذي حدث به بديل بن ميسرة الذي أخذ شعبة هذا الحديث عنه ، فاختلفا عليه فيه ، فكان يجب على مذاهب أهل الحديث أن يكونا لما اختلفا عليه فيه ، فتكافآ في ذلك ، يرتفعان ، ويكون أولى بالحديث منهما من رواه سواهما بما لم يختلف عنه فيه . وحماد بن زيد
فإن قال قائل : فإن لم يذكر في هذا الحديث بين معاوية بن صالح راشد بن سعد وبين المقدام بن معدي كرب أبا عامر الهوزني .
قيل له : ليس ينكر على راشد بن سعد أن يكون سمع المقدام بن معدي كرب ؛ لأنه قد سمع ممن كان في أيامه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد سمع من ، وأهل الحديث قد يختلفون في أسانيد الحديث فيزيد بعضهم فيها على بعض الرجل ومن هو أكثر منه في العدد ، فوجب أن يحمل أمر معاوية بن أبي سفيان في ذلك على مثل ما حملوه عليه فيه . معاوية بن صالح
والذي نعقله من بعده أنه يستحيل عندنا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد إلى خال هو عصبة يذكره بالميراث بالخؤولة ، وترك ذكره بالميراث [ ص: 175 ] بالعصبة ؛ لأن العصبة أقوى في الميراث من الخال الذي ليس بعصبة ؛ ولأن الخال الذي ليس بعصبة إنما يرث حيث لا عصبة ، وحيث لا ذوي فروض مسماة ، فيستحيل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد بذكره إلى أضعف حالته ، ويترك ذكره بأقوى حالته ، وما سوى ما يحتاج إليه في توريث ذوي الأرحام بأرحامهم ليس هذا موضعه فيتقصاه ، ويأتي فيه بأكثر مما أتينا فيه ؛ لأنا إنما أتينا منه ببيان المشكل الذي قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لا لما سواه ، وأما ما يحتاج إليه في ذلك مما سوى ما ذكرنا في هذا الباب ، فقد جئنا به في كتابنا في أحكام القرآن ، وفي شرح الآثار ، فغنينا بذلك عن إعادته هاهنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .