[ ص: 375 ] 410 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لم يحج عن نفسه حجة الإسلام هل له أن يحج عن غيره حجة الإسلام أم لا ؟
2547 - حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح موسى بن هارون البردي ، وحدثنا قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن أعين البغدادي ، وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي محمد بن طريف البجلي الكوفي قال : حدثنا ، عن عبدة بن سليمان الكلابي ، عن سعيد ، عن قتادة عزرة ، عن ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنهما ابن عباس شبرمة قال : من شبرمة ؟ قال : أخ أو قريب لي قال : هل حججت قط ؟ قال : لا . قال : اجعل هذه عنك ثم احجج عن شبرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن .
[ ص: 376 ] [ ص: 377 ] [ ص: 378 ] قال : ففي هذا الحديث سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعه يلبي عن شبرمة هل حججت قط ؟ وجواب ذلك رسول الله أنه لم يكن حج عن نفسه ، وقوله له بعد ذلك : اجعل هذه عنك ثم احجج عن شبرمة . فتعلق بهذا الحديث قوم وقالوا : من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه قبل ذلك حجة الإسلام أن تلك الحجة تكون عن نفسه من حجة الإسلام اتباعا لهذا الحديث ، ثم قاسوا عليه إحرام الرجل عن نفسه تطوعا ولم يكن حج حجة الإسلام قبل ذلك أن حجته تلك تكون عن حجة الإسلام ، ولم يقيسوا على ذلك أحكام الصوم في غير رمضان فقالوا : من صام في رمضان تطوعا إن ذلك الصوم لا يجزئه من رمضان ولا من التطوع ، وقد كان الواجب عليهم إن كان هذا الحديث الذي ذكرنا ثابتا في الحج أن يقاس عليه صوم التطوع في غير رمضان ، فيجعل من رمضان لا من التطوع كما جعل الحج تطوعا ممن لم يحج حجة الإسلام عندهم من حجة الإسلام لا من التطوع ، بل كان الصوم بهذا أولى ، وبذلك الحكم أجزأ لأن رمضان وقت لصوم العباد جميعا رمضان فيه ، لا وقت لصوم غيره فيه ، ووقت الحج وقت للحج عن الفرائض وللحج عن النوافل ، ثم اعتبرنا هذا الحديث وما روي سواه مما يدخل في هذا المعنى فوجدنا هذا الحديث إنما يدور على عزرة ، وعزرة هذا هو عزرة بن تميم ، [ ص: 379 ] وقد ذكر لي هارون بن محمد العسقلاني ، عن الغلابي قال : كان يحيى بن سعيد لا يرضى عزرة يعني صاحب هذا الحديث ، وموضع يحيى من هذا هو الموضع الذي لا مثل له فيه ، ثم اعتبرنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى سوى ذلك .
2548 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أبا أمية قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا [ ص: 380 ] يلبي عن رجل فقال : إن كنت حججت وإلا فحج عن نفسك . قال : فكان هذا الحديث أحسن إسنادا من إسناد الحديث الأول ، غير أنا التمسنا الرجل الذي روى عنه أبو قلابة هذا الحديث هل هو ممن يجوز أن يكون أبو قلابة لقيه فأخذه عنه سماعا أم لا . ؟
فوجدنا عبيد بن رجال قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي الحارث بن عمير ، عن ، عن أيوب قال : أبي قلابة رجلا يقول : لبيك عن ابن عباس شبرمة قال : وما شبرمة ؟ فذكر قرابة ، قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا قال : فاجعلها عن نفسك ثم حج عن شبرمة . سمع
ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة ثم ذكر مثله . ابن عباس
[ ص: 381 ] فعقلنا بذلك أن الرجل الصحابي الذي لم يسمه أبو قلابة في الحديث الأول هو وأبو قلابة ، فلا سماع له من ابن عباس ، فعاد ذلك الحديث منقطعا ولم يجز للمحتج به على أصله أن يحتج بمثله إذ كان مثله عنده لا تقوم به حجة . ابن عباس
ثم نظرنا هل روي ذلك الحديث من غير الجهة التي رويناه منها أم لا ؟ فوجدنا قد حدثنا قال : أخبرنا يونس قال : أخبرني ابن وهب أن عمرو بن الحارث حدثه عن قتادة بن دعامة أنه حدثه سعيد بن جبير مر به رجل يهل يقول : لبيك بحجة عن عبد الله بن عباس شبرمة قال : وما شبرمة ؟ قال : رجل أوصى أن يحج عنه قال : أحججت أنت ؟ قال : لا قال : فابدأ أنت فحج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة قال : فكان هذا الحديث من رواية أن إنما عاد إلى قول عمرو بن الحارث لا إلى رواية منه إياه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك ما [ ص: 382 ] ينفي الحديث الأول الذي رويناه في أول هذا الباب ، وكذلك أيضا حديث ابن عباس من رواية أبي قلابة أيوب هو موقوف على لا مرفوع عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عباس
وأما حديث من حديث أبي قلابة سفيان فهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه قد دخله الانقطاع الذي فيه بين ابن عباس وأبي قلابة .
فقال قائل : فقد دخل في حديث عمرو عن قتادة ما قد دخل وهو قوله : إن حدثه وقتادة فلم يسمع من سعيد بن جبير شيئا ، فذلك دليل أن سعيد بن جبير عمرا لم يضبطه عن قتادة كما ضبطه عنه . سعيد بن أبي عروبة
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه أن عمرا ضبط مما يظن والذي جاء مما ظن هو من عمرو لم يكن من قبل عمرو ولكنه من قبل قتادة لحذاقته بالتدليس حتى يجوز ذلك منه على من يسمعه منه كما جاز مثله في غيره على غير عمرو مما قد ذكرناه في كتابنا على الكرابيسي مما نحن مستغنون به عن إعادته هاهنا ، [ ص: 383 ] ثم أردنا أن ننظر إلى ما روي في هذا الباب سوى ما قد رويناه فيه من الآثار ؛ لنتبين ثبوتها أو سقوطها .
2549 - فوجدنا ابن أبي مريم قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا الفريابي ، عن أبو بكر بن عياش ابن عطاء يعني يعقوب ، عن ، عن أبيه رضي الله عنهما قال : ابن عباس شبرمة قال : حججت عن نفسك ؟ قال : لا قال : فعن نفسك فحج قبل .
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول : لبيك عن قال : فكان هذا الحديث إنما رجع إلى يعقوب بن عطاء وليس يعقوب هذا عند أهل الحديث حجة في الحديث ، ثم نظرنا هل روى غيره في هذا الباب . ؟
2550 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا قال : أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى ، [ ص: 384 ] عن عطاء رضي الله عنها عائشة شبرمة فقال : وما شبرمة فذكر قرابة قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلبي عن .
قال : فكان هذا الحديث أيضا إنما يرجع إلى ابن أبي ليلى أبو جعفر وابن أبي ليلى مع جلالة مقداره وعلو مرتبته في الفقه وفيما سواه مضطرب الحفظ جدا ، ثم نظرنا هل روي فيه شيء غير ما ذكرناه . ؟
2551 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا نعيم بن حماد ، عن الفضل بن موسى السيناني ، عن ابن جريج الحكم بن أبان ، عن ، عن عكرمة رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس أنه سئل عن رجل لم يحج أيحج عن غيره ؟ فقال : دين الله عز وجل أحق أن يقضيه . قلت أنا : وكان هذا عندنا أحسن من جميع ما ذكرناه في هذا الباب إسنادا من الأحاديث التي ذكرناها فيه ، غير أن الذي فيه من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن ما سأله فيه إنما هو أن دين الله عز وجل أحق أن يقضيه فهذا خلاف ما في غيره مما قد رويناه في هذا الباب ، [ ص: 385 ] وليس فيه أنه لو أحرم عن غيره كان ذلك الإحرام عن نفسه .
ولما لم نجد في هذه الآثار ما يدلنا على الجواب في هذا الباب طلبناه في غيرها فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله من سأله في الحج عن غيره ، فأطلق ذلك له لم يسأله أحججت عن نفسك حجة الإسلام أم لا ؟ فدل ذلك أنه أطلق له أن يحج عن غيره ، وإن لم يكن حج عن نفسه قبل ذلك حجة الإسلام .
ثم اعتبرنا حكم من لم يحج عن نفسه حجة الإسلام فحج عن نفسه حجة تطوعا هل يكون من حجة الإسلام كما قال ذلك من قاله فيه أو يكون تطوعا كما قال ذلك من قاله فيه وهم أهل المدينة وأهل الكوفة . ؟
2552 - فوجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التيمي ، عن حماد بن سلمة الأزرق بن قيس ، عن ، عن يحيى بن يعمر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال :
وحدثنا عن داود ، عن زرارة يعني ابن أوفى جميعا يرفعانه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تميم الداري أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته ، فإن كان أكملها كتبت كاملة ، وإن لم يكن أكملها قال الله عز وجل لملائكته : انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا به ما ضيع من فريضته ، والزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على حساب ذلك .
[ ص: 386 ]
[ ص: 387 ]
2553 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن علي بن داود قال : حدثنا عاصم بن علي بن عاصم ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن الحسن حريث بن قبيصة قال : جلست إلى فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة أول ما يحاسب به العبد بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، وإن انتقص من فريضته شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما نقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك ، [ ص: 388 ] فدلنا ما في هذا الحديث أن الرجل قد يكون من حج التطوع ، ولم يحج قبل ذلك الحج المفروض عليه ، فدل ذلك أنه جائز للرجل أن يحج تطوعا ، ولم يحج الفريضة .
ودل ذلك أنه جائز أن يحج عن غيره الحج المفترض عليه قبل أن يحج عن نفسه الحج المفترض عليه .
وكما كان لمن لم يصل الصلاة المفروضة عليه بعد دخول وقتها عليه أن يصلي تطوعا ، ثم يصليها بعد ذلك كان ذلك لمن دخل عليه وقت الحج ، ووجب عليه فرضه أن يحج تطوعا عن نفسه ، وأن يحج حجا مفروضا عن غيره .
ثم التمسنا الرجل المذكور من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الأزرق بن قيس من هو . ؟
2554 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه قال : أخبرنا [ ص: 389 ] النضر بن شميل ، عن حماد بن سلمة الأزرق بن قيس ، عن ، عن يحيى بن يعمر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة إن أول ما يحاسب به العبد صلاته ، فإن كان أكملها وإلا قال الله عز وجل : انظروا لعبدي من تطوع فإن وجد له تطوع قال : أكملوا له الفريضة والله نسأله التوفيق .