[ ص: 39 ] 5 - باب بيان مشكل ما روي عن النبي عليه السلام في نهيه أن يتولى قضاء بين اثنين وأن يؤوي أمانة أبا ذر
46 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، أخبرني ابن وهب أن عمرو بن الحارث دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي المثنى { ، عن قال : أبي ذر ما أقول لك ، ثم لما كان في اليوم السابع ، قال : أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك ، وإذا أسأت ؛ فأحسن ، ولا تسلن أحدا ، وإن سقط سوطك ، ولا تؤوين أمانة ، ولا تؤوين يتيما ، ولا تقضين بين اثنين أبا ذر قال لي رسول الله عليه السلام ستة أيام : اعقل يا } .
فكان في هذا الحديث نهيه عما نهاه عنه ، وقد كان عليه السلام استعمل على القضاء أبا ذر . علي بن أبي طالب
[ ص: 40 ] فعقلنا بذلك أنه لم يستعمله على عمل مكروه ، وأنه لم يدخله في معنى ينقص به رتبته عما هي عليه ، بل ما أدخله إلا في معنى يكون زائدا في رتبته ، وفي معنى يكون سببا لما يقربه من ربه تعالى .
وروي مما كان منه إلى علي في ذلك لما بعثه على ما ولاه عليه ، منه .
47 - ما قد حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان النحوي ، عن أبي إسحاق عمرو بن حبشي { عن ، قال : علي اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إنك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي سن ، وإني أخاف أن لا أصيب ، فقال : إن الله يثبت لسانك ، ويهدي قلبك بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى } .
48 - وما قد حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، شريك ، وزائدة وسليمان بن معاذ ، كلهم عن ، عن سماك بن حرب حنش - وهو ابن المعتمر - عن قال : علي علي : فما زلت قاضيا بعد قال لي رسول الله عليه السلام : { إذا تقاضى إليك الرجلان ، فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر ، فإنك إذا سمعت ذلك عرفت كيف تقضي } ، قال .
[ ص: 41 ] وزاد سليمان أن النبي عليه السلام قال لعلي في هذا الحديث : { } . إن الله يثبت لسانك ، ويهدي قلبك
49 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو غسان النهدي ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق حارثة بن مضرب { عن قال : علي اليمن ، فقلت : إنك بعثتني إلى قوم أسن مني ، فكيف أقضي ؟ قال : اذهب فإن الله يهدي قلبك ، ويثبت لسانك بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى } .
50 - وما حدثنا فهد ، حدثنا ابن الأصبهاني محمد بن سعيد ، حدثنا ، عن شريك ، عن سماك حنش قال : { قال : علي اليمن ، وأنا حديث السن ، فقلت : بعثتني وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ، فقال : إن الله هادي قلبك ولسانك ، فإذا جلس إليك الخصمان ، فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر ، قال : فما شككت في قضاء بعد بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى } .
قال : فاستحال عندنا - والله أعلم - أن يكون [ ص: 42 ] رسول الله عليه السلام أدخل أبو جعفر عليا إلا فيما زاد في رتبته ، وفي جلالة مقداره ، وفيما يقربه من ربه تعالى .
ومما يدخل في توكيد ما ذكرنا :
51 - ما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، وبكر بن إدريس الأزدي ، قالا : حدثنا ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثني حيوة بن شريح ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن بسر بن سعيد أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، عن أن رسول الله عليه السلام قال : { عمرو إذا حكم الحاكم ، واجتهد ، ثم أصاب ، فله أجران ، وإذا حكم ، واجتهد ، ثم أخطأ ، فله أجر } ، قال : فحدثت بهذا الحديث ، فقال : هكذا حدثني أبا بكر بن حزم ، عن أبو سلمة . أبي هريرة
[ ص: 43 ]
52 - وما حدثنا محمد بن خزيمة ، وفهد ، قالا : حدثنا ، حدثني عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، ثم ذكر بإسناده مثله . أبو الزناد
53 - وما قد أخبرنا ، أخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا إسحاق بن منصور - يعني الكوسج - ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن أبي سلمة ، عن النبي عليه السلام مثله . أبي هريرة
54 - وما حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة ، عن رسول الله عليه السلام ، قال : { أبيه القضاة ثلاثة : فقاضيان في النار ، وقاض في الجنة : قاض ترك الحق وهو يعلم ، وقاض قضى بغير الحق وهو لا يعلم ، فأهلك حقوق الناس ، فهذان في النار ، وقاض قضى بالحق فهو في الجنة } .
[ ص: 44 ]
55 - وما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، وما حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا محمد بن علي بن داود ، قالا : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا خلف بن خليفة ، قال : أبو هاشم ، عن ابن بريدة ، عن رسول الله عليه السلام أنه قال : { القضاة ثلاثة : اثنان في النار ، وواحد في الجنة : رجل عرف الحق ، وقضى به ، فهو في الجنة ، ورجل عرف الحق ، فلم يقض به ، وجار في الحكم ، فهو في النار ، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل ، فهو في النار } . أبيه
[ لقلنا : إن القاضي إذا اجتهد ، فليس عليه شيء ] لولا حديث .
[ ص: 45 ] قال : أفلا ترى ما في القضاء مما يكون سببا للجنة ، فذلك دليل على جلالة مقداره ، وعلى أن النبي عليه السلام لم يمنع أبو جعفر منه للقضاء بعينه ، ولكن لمعنى سواه . أبا ذر
فالتمسنا ذلك المعنى ما هو . ؟
56 - فوجدنا ، يزيد بن سنان وعلي بن شيبة ، ، وإبراهيم بن منقذ العصفري وموسى بن النعمان المكي قد حدثونا عن ، عن المقرئ حدثني ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن عبيد الله بن أبي جعفر القرشي سالم بن أبي سالم الجيشاني ، عن ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي ذر ، إني أحب لك ما أحب لنفسي ، وإني أراك ضعيفا ، فلا تأمرن على اثنين ، ولا تلين مال يتيم أبا ذر يا } .
فوقفنا بهذا الحديث على المعنى الذي به نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نهاه عنه في الحديث الأول ، وإنه لمعنى فيه نقص به عن رتبة القضاء مما كان ضده في أبا ذر مما استحق به ولاية القضاء . علي بن أبي طالب
57 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد بن كامل القرشي ، حدثني أبو صالح ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكر بن عمرو الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن ابن حجيرة الأكبر ، [ ص: 46 ] عن ، قال : { أبي ذر ، إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها أبا ذر قلت : يا رسول الله ، ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ، ثم قال : يا } .
فوقفنا بهذا أيضا أنها على المعنى الذي من أجله كره رسول الله عليه السلام لأبي ذر ما كرهه له في الحديث الأول .
ووقفنا بقول رسول الله عليه السلام الذي ذكرناه عنه في هذا الحديث ، وهو : { إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها } ، أن من كان كذلك ، فليس ممن لحقه في ذلك نهي ، ولا لحقته فيه كراهة ، وأن الكراهة لذلك إنما تلحق المتعرضين له ، الطالبين لولايته .
ومما قد روي في توكيد هذا المعنى :
58 - ما قد حدثنا ، حدثنا أبو بكرة ، حدثنا حسين بن حفص الأصبهاني ، عن سفيان الثوري - عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد أخيه ، عن ، عن أبي بردة قال : أبي موسى الأشعريين ، فخطبا ، ثم تعرضا للعمل ، فقال : « إن أخونكم عندي من طلبه ، فعليكما بتقوى الله تعالى قدم على النبي عليه السلام رجلان من [ ص: 47 ] » .
59 - وما قد حدثنا أحمد بن الحسن بن القاسم الكوفي أبو الحسين ، حدثنا ، عن إسماعيل ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال : عبد الرحمن بن سمرة عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها قال لي رسول الله عليه السلام : « يا » .
[ ص: 48 ] قال : وفيما قد ذكرت ما قد وضح به جميع ما رويناه عن رسول الله عليه السلام في هذا الباب بالحديث الأول الذي رويناه عنه فيه نهيه أبو جعفر عما نهاه عنه ، وفي الأحاديث التي رويناها بعده مما فيه نفي ذلك النهي عن سواه ممن به القوة على ما يتولاه من ذلك . أبا ذر
فبان بما ذكرنا أن لا تضاد في شيء مما ذكرناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن معانيه قد اتضحت ملتئمة باينة لمعاينها على ما ذكرناه فيه . والله نسأله التوفيق .