[ ص: 42 ] 480 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه
لأبي أبي الأحوص المختلف في اسمه ، فقائل يقول : إنه
عوف بن مالك ، وقائل يقول : إنه
مالك بن عوف وذكر
البخاري أنه
عوف بن مالك بن نضلة ، ولا يختلفون أنه من
بني جشم بقوله له : إذا آتاك الله عز وجل مالا فلير عليك
[ ص: 43 ] 3041 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص ، عن
أبيه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=696168nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قشف ، فقال : هل لك مال ؟ قلت : نعم ، قال : من أي المال ؟ قلت : من كل المال ؛ من الإبل والخيل والرقيق والغنم ، قال : فإذا آتاك الله مالا ، فلير عليك ، ثم قال : هل تنتج إبل أهلك صحاحا آذانها ، فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها ، فتقول : هذه بحر ، وتشقها أو تشق جلودها ، فتقول : هذه صرم ، فتحرمها عليك ؟ قال : نعم ، قال : فإن ما آتاك الله عز وجل لك حل ، وساعد الله عز وجل أشد ، وموسى الله عز وجل أحد ، قال : وربما قال : وساعد الله عز وجل أسد من ساعدك ، وموسى الله عز وجل أحد من موساك .
[ ص: 44 ] 3042 - وحدثنا
سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا
عبد الرحمن بن زياد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15238المسعودي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق الهمداني ، عن
أبي الأحوص [ ص: 45 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=935267nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أهدام ، فقال : ألك مال ؟ قال : من كل المال قد آتاني الله عز وجل ، قال : فلير عليك ، ثم قال : يا عوف بن مالك ، أليس تنتج إبلك وهي صحيحة آذانها ، فتعمد إلى بعضها فتشق آذانها ، فتقول : هذه بحر ، ما جعل الله من بحيرة ، وتعمد إلى بعضها ، فتشق آذانها ، فتقول : هذه صرم ؟ قال : نعم ، قال : لا تفعل ؛ فإن ساعد الله عز وجل أسد من ساعدك ، وموسى الله عز وجل أحد من موساك ، وكل ما آتاك الله حل ، فلا تحرم من مالك شيئا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خاطب
أبا أبي الأحوص بما خاطبه به فيه من شقه جلود إبله ، ومن قطعه إياها ، ومن قوله عند ذلك ما كان يقول عنده ، ومن تحريمه إياها كذلك ، وذلك ما لا يكون من مسلم ، وإنما يكون من مشرك . وقد حقق ذلك .
[ ص: 46 ] 3043 - ما قد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13062علي بن الحسين أبو عبيد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14103الحسن بن أبي الربيع الجرجاني ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، قال : أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص الجشمي ، عن
أبيه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=696168nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أطمارا ، فقال : هل لك مال ؟ قلت : نعم ، قال : من أي المال ؟ قال : من كل قد آتاني الله عز وجل ؛ من الشاء والإبل ، قال : فلتر نعمة الله عز وجل وكرامته عليك ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل تنتج إبلك وافية آذانها ؟ قال : وهل تنتج إلا كذلك ؟ - ولم يكن أسلم يومئذ - قال : فلعلك تأخذ موساك ، فتقطع آذان بعضها ، فتقول : هذه بحر ، وتشق آذان أخر ، وتقول : هذه صرم ، قال : نعم ، قال : فلا تفعل ، فإن ما آتاك الله عز وجل لك حل ، وإن موسى الله عز وجل أحد ، وساعد الله عز وجل أشد .
قال : فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب هذا الرجل بما خاطبه به ، ولم يكن أسلم يومئذ ، فكان معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له : إذا آتاك الله مالا فلير عليك ، قد يحتمل أن يكون أراد بأن
[ ص: 47 ] يرى عليه ؛ ليكون ذلك مما يعلم أولياء الله عز وجل المؤمنون به أن لا مقدار للدنيا عند الله ، وأنها لو كانت عنده بخلاف ذلك ، لما أعطى منها مثل ذلك من يكفر به ، وليعلموا أنها ليست بدار جزاء ، وأنها لو كانت دار جزاء لكان من يؤمن به ويقر بتوحيده بذلك منه أولى ، وبه عليه منه أحرى ، وأن ما يجزيهم بتوحيدهم إياه وعبادتهم له إنما يؤتيهم إياه في دار غير الدار التي هم فيها ، وهي الآخرة ، ومن ذلك قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة واحدة - أي : على دين واحد -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ، قال : إن جزاءه للمتقين على تقواهم ، وعلى ما هم عليه له في الآخرة .
وكان قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل : وإذا آتاك الله مالا فلير عليك ، أي : ليكون يعلم به ما آتاه الله عز وجل مما قد منع مثله غيره ممن هو على مثل ما هو عليه ، ومن سواه ، فيكون ذلك سببا لشكره إياه بما يجده منه من دخوله في الدين الذي دعاه إليه ، ومن تمسكه بما خلقه له ؛ لأنه عز وجل قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ ص: 48 ] فإن فعل ذلك ، فقد أدى شكر النعمة التي أنعمها الله عليه ، وكان محمودا عند الله على ذلك ، وكان جل وعز حريا أن يزيده من تلك النعمة في الدنيا ، ويدخر له الجزاء على ذلك في الآخرة .
وإن قصر عن ذلك ولم يؤد إلى الله عز وجل ما يجب له عليه فيه ، كان بذلك كافرا لنعمائه عليه ، مستحقا به العقوبة منه مع كفره به عز وجل واستحقاقه على ذلك العقوبة منه ، فيكون الذي يستحقه بكفره نعمه عليه من عقوبته مضافا إلى عقوبته إياه على كفره وشركه به ، ويكون على ذلك أغلظ عقوبة وأشد عذابا في الآخرة ممن سواه من الكفار ممن لم يؤته الله عز وجل مثل تلك النعمة في الدنيا .
فهذا أحسن ما قدرنا عليه من تأويل هذا الحديث ، والله عز وجل أعلم بالحقيقة فيه ما هي ، وإياه نسأله التوفيق .
[ ص: 42 ] 480 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِطَابِهِ
لِأَبِي أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُخْتَلَفِ فِي اسْمِهِ ، فَقَائِلٌ يَقُولُ : إِنَّهُ
عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ، وَقَائِلٌ يَقُولُ : إِنَّهُ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَذَكَرَ
الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ
عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ مِنْ
بَنِي جُشَمٍ بِقَوْلِهِ لَهُ : إِذَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ
[ ص: 43 ] 3041 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ
أَبِيهِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=696168nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَشِفٌ ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ مَالٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ قُلْتُ : مِنْ كُلِّ الْمَالِ ؛ مِنَ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالْغَنَمِ ، قَالَ : فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا ، فَلْيُرَ عَلَيْكَ ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ تُنْتَجُ إِبِلُ أَهْلِكَ صِحَاحًا آذَانُهَا ، فَتَعْمِدُ إِلَى الْمُوسَى فَتَقْطَعُ آذَانَهَا ، فَتَقُولُ : هَذِهِ بُحُرٌ ، وَتَشُقُّهَا أَوْ تَشُقُّ جُلُودَهَا ، فَتَقُولَ : هَذِهِ صُرُمٌ ، فَتُحَرِّمُهَا عَلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ ، وَسَاعِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ ، وَمُوسَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ ، قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَ : وَسَاعِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ ، وَمُوسَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ .
[ ص: 44 ] 3042 - وَحَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15238الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ [ ص: 45 ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=6201عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=935267nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَهْدَامٌ ، فَقَالَ : أَلَكَ مَالٌ ؟ قَالَ : مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ : فَلْيُرَ عَلَيْكَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَوْفُ بْنَ مَالِكٍ ، أَلَيْسَ تُنْتَجُ إِبِلُكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ آذَانُهَا ، فَتَعْمَدَ إِلَى بَعْضِهَا فَتَشُقَّ آذَانَهَا ، فَتَقُولَ : هَذِهِ بُحُرٌ ، مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وَتَعْمَدَ إِلَى بَعْضِهَا ، فَتَشُقَّ آذَانَهَا ، فَتَقُولَ : هَذِهِ صُرُمٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنَّ سَاعِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ ، وَمُوسَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ ، وَكُلُّ مَا آتَاكَ اللهُ حِلٌّ ، فَلَا تُحَرِّمْ مِنْ مَالِكَ شَيْئًا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاطَبَ
أَبَا أَبِي الْأَحْوَصِ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ فِيهِ مِنْ شَقِّهِ جُلُودَ إِبِلِهِ ، وَمِنْ قَطْعِهِ إِيَّاهَا ، وَمِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَقُولُ عِنْدَهُ ، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا كَذَلِكَ ، وَذَلِكَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ مُسْلِمٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ مُشْرِكٍ . وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ .
[ ص: 46 ] 3043 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13062عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو عُبَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14103الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ ، عَنْ
أَبِيهِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=696168nindex.php?page=treesubj&link=25278_32211_32490رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ أَطْمَارًا ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ مَالٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ قَالَ : مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ؛ مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ ، قَالَ : فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تُنْتَجُ إِبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُهَا ؟ قَالَ : وَهَلْ تُنْتَجُ إِلَّا كَذَلِكَ ؟ - وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ - قَالَ : فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ ، فَتَقْطَعَ آذَانَ بَعْضِهَا ، فَتَقُولَ : هَذِهِ بُحُرٌ ، وَتَشُقَّ آذَانَ أُخَرَ ، وَتَقُولَ : هَذِهِ صُرُمٌ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ، فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ ، وَإِنَّ مُوسَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ ، وَسَاعِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ .
قَالَ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ : إِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ ، قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِأَنْ
[ ص: 47 ] يُرَى عَلَيْهِ ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَوْلِيَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنْ لَا مِقْدَارَ لِلدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، لَمَا أَعْطَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ جَزَاءٍ ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَارَ جَزَاءٍ لَكَانَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُقِرُّ بِتَوْحِيدِهِ بِذَلِكَ مِنْهُ أَوْلَى ، وَبِهِ عَلَيْهِ مِنْهُ أَحْرَى ، وَأَنَّ مَا يَجْزِيهِمْ بِتَوْحِيدِهِمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ إِنَّمَا يُؤْتِيهِمْ إِيَّاهُ فِي دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي هُمْ فِيهَا ، وَهِيَ الْآخِرَةُ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً - أَيْ : عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ، قَالَ : إِنَّ جَزَاءَهُ لِلْمُتَّقِينَ عَلَى تَقْوَاهُمْ ، وَعَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ .
وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ : وَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ ، أَيْ : لِيَكُونَ يَعْلَمُ بِهِ مَا آتَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا قَدْ مَنَعَ مِثْلَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ سِوَاهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِشُكْرِهِ إِيَّاهُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الدِّينِ الَّذِي دَعَاهُ إِلَيْهِ ، وَمِنْ تَمَسُّكِهِ بِمَا خَلَقَهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [ ص: 48 ] فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ جَلَّ وَعَزَّ حَرِيًّا أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَيَدَّخِرَ لَهُ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ .
وَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ ، كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا لِنَعْمَائِهِ عَلَيْهِ ، مُسْتَحِقًّا بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ مَعَ كُفْرِهِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ ، فَيَكُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِكُفْرِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ مُضَافًا إِلَى عُقُوبَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ بِهِ ، وَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ أَغْلَظَ عُقُوبَةً وَأَشَدَّ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا .
فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ فِيهِ مَا هِيَ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .