[ ص: 146 ] 813 - باب بيان مشكل ما قد تنازعه أهل العلم بعد ذلك في وجوب اللعان بالحمل المنفي ، وفي سقوط اللعان به
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : قد كان بعض من يذهب إلى إثبات اللعان بنفي الحمل قبل وضع أمه إياه ، يحتج لما يذهب إليه في ذلك على مخالفيه فيه ، بقول الله في المطلقات :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن .
فيقول : قد جعل الله للمحمول به ، المطلقة أمه ، على المحمول به منه قبل وضع أمه إياه الإنفاق عليه ، وهو الغذاء الذي تغذاه أمه حتى يوصل إليه منه ما يكون به حياته ، وكان المحمول به منه مأخوذا بذلك ، محكوما به عليه ، كما يؤخذ به لو كان المحمول به موضوعا قبل ذلك .
قال : وإذا كان ذلك كذلك ، فاستحقاق ما ذكرنا استحقاقه إياه على مطلق أمه كان كذلك : أنه يستحق به قبل وضعها إياه ملاعنته إذا نفاه عنها .
فكان من حجتنا على هذا المحتج بذلك لمخالفته فيه بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن الأمر في ذلك ليس كما ذكره فيه ، ولا النفقة التي
[ ص: 147 ] جعلها الله - عز وجل - في ذلك على المطلق للمطلقة الحامل بسبب ولدها ، ليكون ذلك عدا له ، ولكنها نفقة للمطلقة نفسها ، لأنها في عدة من مطلقها ، لا لأنها حامل منه .
ومما يدل على ذلك : أن رأينا المحمول به لو كان له مال قد ورثه عن أخ له لأمه توفي وأمه حامل به ، أن ذلك لا يرفع النفقة عن أبيه على أمه ، وأن النفقة على أبيه كما كانت لو كان لا مال له .
فدل ذلك أن النفقة المحكوم بها على أبيه التي ذكرناها هي لأمه ، لا له ; لأنها لو كانت له لم يستحقها على أبيه إلا بفقره إلى ذلك ، وحاجته إليه منه ، كما لو كان موضوعا قبل ذلك لم يستحق النفقة عليه إلا بذلك .
وفي وجوب النفقة على أبيه في حال يساره وفي حال إعساره ، على أمه ما قد دل أن تلك النفقة لغيره لا له ، وحجة أخرى : أن النفقة لو كان يراد بها اتصال الغذاء إليه ، لوجب أن يكون بعضها مرفوعا عن أبيه ; لأنها تكون غذاء لأمه فيما يكون به حياتها ، ويقوم به بدنها ، ويوصل به الغذاء إليه ، فكان ما يكون من ذلك غذاء للمطلقة مرفوعا عنه ، وما يكون من ذلك يوصل الغذاء إلى ابنه ثابتا عليه .
وفيما ذكرنا ما قد دل على أن معنى قول الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ، إنما المراد بذلك نهاية الإنفاق ، لا ما سوى ذلك ، ويدل على ذلك أيضا قوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فأنفقوا عليهن ، ولم يقل : على من هن حوامل به .
وفي ذلك ما قد دل : أن الإنفاق من المطلق في حال حمل
[ ص: 148 ] المطلقة عليها ، إنما هو عليها ; لاعتدادها منه حاملا كانت أو غير حامل ، كما يقول من يوجب النفقة للمطلقة الطلاق البائن في عدتها ، حاملا كانت منه أو غير حامل .
وفي ثبوت ما ذكرنا ما ينفي أن يكون فيما احتج به هذا القائل باللعان بالحمل لقوله ذلك ، لما قد ذكرنا من احتجاجه به له ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .
وقال هذا المحتج أيضا : ومما يدل على ما ذهبنا إليه في إثبات اللعان بالحمل ، السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قضائه في دية شبه العمد بالأربعين الخلفة من الإبل التي في بطونها أولادها ، وذكر في ذلك
5152 - ما قد حدثنا
علي بن شيبة ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17342يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء ، عن
القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن
عقبة بن أوس السدوسي ، عن
رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=695688nindex.php?page=treesubj&link=9274_9295_9306_9330_9338_23616_30915أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم فتح مكة ، فقال في خطبته : ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر ، فيه دية مغلظة ، مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها .
[ ص: 149 ] 5153 - وما قد حدثنا
إسماعيل بن حمدويه البيكندي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16272عارم أبو النعمان nindex.php?page=showalam&ids=17072ومسدد بن مسرهد nindex.php?page=showalam&ids=17319ويحيى بن عبد الحميد الحماني ،
[ ص: 150 ] قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء ، عن
القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن
عقبة أو يعقوب السدوسي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر مثله .
غير أن
مسددا والحماني لم يشكا ، وقالا في حديثيهما : عن
القاسم بن ربيعة ، عن
عقبة بن أوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال هذا القائل : فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قضى بالخلفات في الدية ، وهي الحوامل ، ولو كان الحمل غير معروف ، وغير مدروك لما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كلفه أحدا .
وفي ذلك ما قد دل على أن الحمل مدروك ، وعلى أن الحكم مستعمل فيه قبل وضع أمه إياه كما يستعمل فيه بعد وضعها إياه .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - جل وعز - وعونه : أنه لا حجة
[ ص: 151 ] له فيما احتج به من ذلك لما احتج له به ; لأن الذي جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الإبل ، جعله بظاهر ما تلك الإبل عليه ، وبما يقع في القلوب بما يشاهد منها أنها كذلك ، لا بتحقيق لذلك منها ، والدليل على ذلك : أنه غير مستنكر أن تكون الناقة عند الناس حاملا بما يرونه منها مما جرت العادة برؤيتهم إياه في أمثالها ، ثم يتبين أنها غير حامل ، وكذلك بنات آدم قد يرين كذلك ، ثم يتبين أن الذي كان يرى منهن غير حمل .
ولما كان ذلك كذلك وجب أن لا يلاعن إلا بما يوقف على حقيقته ، لا فيما يستعمل فيه الظن الذي لا حقيقة معه ، ومما يدل على ذلك أن رجلا لو قال لعبده : إن كانت أمتي حاملا ، فأنت حر ، وظاهر أمرها أنها حامل ، ثم مات أبو العبد قبل أن تضع ، فجاء يطالب بميراثه ، أنه لا يحكم له بذلك في قول جميعهم ، إذ كان ما ظهر من تلك الأمة قد لا يكون حملا ، ولا يكون بالقول الذي كان من مولاه عتيقا عتاقا يستحق به ميراث أبيه .
وإذا كان ذلك كذلك في المواريث ، كان في نفي الأحمال كذلك ، وكان الذي قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخلفات ، هو من ذلك المعنى أيضا . أن يحقق بوضعهن لما يعلم أنهن كن حوامل به يوم دفعهن من كن عليه إلى من وجبن له ، كان قد استوفى ما وجب له ، وإن بان أنهن كن حينئذ بخلاف ذلك ردهن ، وطالب بحوامل .
وفيما ذكرنا ما قد نفى أن يكون لهذا المحتج حجة فيما احتج به مما ذكرنا لما وصفنا ، مع أنه قد ظلم مخالفه في جميع ما احتج
[ ص: 152 ] به عليه مما ذكرنا ، لأن مخالفه يزعم أن النفقة في اعتداد المطلقات البوائن على مطلقيهن للعدة اللائي هن فيها ، لا لأحمال إن كانت بهن ، وأن الدية في شبه العمد لا خلفات فيها ، وإنما هي عندهم مائة من الإبل ، منها : خمسة وعشرون حقة ، وخمسة وعشرون جذعة ، وخمسة وعشرون بنات لبون ، وخمسة وعشرون بنات مخاض ، غير
محمد بن الحسن ، فإنه قد كان يقول بالخلفات .
وفيما احتججنا به في ذلك ما يدفع أن يكون عليه حجة فيما احتج به هذا المخالف عليه مما قد ذكرنا ، وفيما قد ذكرنا في هذه الأبواب ما قد دل على أن القول الصحيح في نفي الحمل ، هو ما قد ذكرناه فيه عن
محمد بن الحسن بما وافقه
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف عليه ، والله نسأله التوفيق .
[ ص: 146 ] 813 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا قَدْ تَنَازَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ اللِّعَانِ بِالْحَمْلِ الْمَنْفِيِّ ، وَفِي سُقُوطِ اللِّعَانِ بِهِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695أَبُو جَعْفَرٍ : قَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى إِثْبَاتِ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِ أُمِّهِ إِيَّاهُ ، يَحْتَجُّ لِمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَلَى مُخَالِفِيهِ فِيهِ ، بِقَوْلِ اللهِ فِي الْمُطَلَّقَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .
فَيَقُولُ : قَدْ جَعَلَ اللهُ لِلْمَحْمُولِ بِهِ ، الْمُطْلَّقَةُ أُمُّهُ ، عَلَى الْمَحْمُولِ بِهِ مِنْهُ قَبْلَ وَضْعِ أُمِّهِ إِيَّاهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْغِذَاءُ الَّذِي تَغَذَّاهُ أُمُّهُ حَتَّى يُوَصِلَ إِلَيْهِ مِنْهُ مَا يَكُونُ بِهِ حَيَاتُهُ ، وَكَانَ الْمَحْمُولُ بِهِ مِنْهُ مَأْخُوذًا بِذَلِكَ ، مَحْكُومًا بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا يُؤْخَذُ بِهِ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ بِهِ مَوْضُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَاسْتِحْقَاقُ مَا ذَكَرْنَا اسْتِحْقَاقَهُ إِيَّاهُ عَلَى مُطَلِّقِ أُمِّهِ كَانَ كَذَلِكَ : أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ قَبْلَ وَضْعِهَا إِيَّاهُ مُلَاعَنَتَهُ إِذَا نَفَاهُ عَنْهَا .
فَكَانَ مِنْ حُجَّتِنَا عَلَى هَذَا الْمُحْتَجِّ بِذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ ، وَلَا النَّفَقَةُ الَّتِي
[ ص: 147 ] جَعَلَهَا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلِّقِ لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ بِسَبَبِ وَلَدِهَا ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَدًّا لَهُ ، وَلَكِنَّهَا نَفَقَةٌ لِلْمُطَلَّقَةِ نَفْسِهَا ، لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ مُطَلِّقِهَا ، لَا لِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنْ رَأَيْنَا الْمَحْمُولَ بِهِ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْ وَرِثَهُ عَنْ أَخٍ لَهُ لِأُمِّهِ تُوفِّيَ وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ النَّفَقَةَ عَنْ أَبِيهِ عَلَى أُمِّهِ ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِ كَمَا كَانَتْ لَوْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ .
فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمَحْكُومَ بِهَا عَلَى أَبِيهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ لِأُمِّهِ ، لَا لَهُ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا عَلَى أَبِيهِ إِلَّا بِفَقْرِهِ إِلَى ذَلِكَ ، وَحَاجَتِهِ إِلَيْهِ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ إِلَّا بِذَلِكَ .
وَفِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ فِي حَالِ يَسَارِهِ وَفِي حَالِ إِعْسَارِهِ ، عَلَى أُمِّهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ لَا لَهُ ، وَحُجَّةً أُخْرَى : أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَ يُرَادُ بِهَا اتِّصَالُ الْغِذَاءِ إِلَيْهِ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا مَرْفُوعًا عَنْ أَبِيهِ ; لِأَنَّهَا تَكُونُ غِذَاءً لِأُمِّهِ فِيمَا يَكُونُ بِهِ حَيَاتُهَا ، وَيَقُومُ بِهِ بَدَنُهَا ، وَيُوصِلُ بِهِ الْغِذَاءَ إِلَيْهِ ، فَكَانَ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ غِذَاءً لِلْمُطَلَّقَةِ مَرْفُوعًا عَنْهُ ، وَمَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ يُوصَلُ الْغِذَاءُ إِلَى ابْنِهِ ثَابِتًا عَلَيْهِ .
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ، إِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ نِهَايَةُ الْإِنْفَاقِ ، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ، وَلَمْ يَقُلْ : عَلَى مَنْ هُنَّ حَوَامِلُ بِهِ .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ : أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنَ الْمُطَلِّقِ فِي حَالِ حَمْلِ
[ ص: 148 ] الْمُطَلَّقَةِ عَلَيْهَا ، إِنَّمَا هُوَ عَلَيْهَا ; لِاعْتِدَادِهَا مِنْهُ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ ، كَمَا يَقُولُ مَنْ يُوجِبُ النَّفَقَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فِي عِدَّتِهَا ، حَامِلًا كَانَتْ مِنْهُ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ .
وَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ هَذَا الْقَائِلُ بِاللِّعَانِ بِالْحَمْلِ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنِ احْتِجَاجِهِ بِهِ لَهُ ، وَاللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
وَقَالَ هَذَا الْمُحْتَجُّ أَيْضًا : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي إِثْبَاتِ اللِّعَانِ بِالْحَمْلِ ، السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضَائِهِ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالْأَرْبَعِينَ الْخَلِفَةَ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ
5152 - مَا قَدْ حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17342يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17249هُشَيْمٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15804خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَوْشَنٍ ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ السَّدُوسِيِّ ، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=695688nindex.php?page=treesubj&link=9274_9295_9306_9330_9338_23616_30915أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَلَا إِنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ ، فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ ، مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا .
[ ص: 149 ] 5153 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْبِيكَنْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16272عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ nindex.php?page=showalam&ids=17072وَمُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ nindex.php?page=showalam&ids=17319وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ،
[ ص: 150 ] قَالُوا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15804خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَوْشَنٍ ، عَنْ
عُقْبَةَ أَوْ يَعْقُوبَ السَّدُوسِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
غَيْرَ أَنَّ
مُسَدَّدًا وَالْحِمَّانِيَّ لَمْ يَشُكَّا ، وَقَالَا فِي حَدِيثَيْهِمَا : عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَهَذَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى بِالْخَلِفَاتِ فِي الدِّيَةِ ، وَهِيَ الْحَوَامِلُ ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ ، وَغَيْرَ مَدْرُوكٍ لَمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا كَلَّفَهُ أَحَدًا .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مَدْرُوكٌ ، وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ قَبْلَ وَضْعِ أُمِّهِ إِيَّاهُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ بَعْدَ وَضْعِهَا إِيَّاهُ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ لَا حُجَّةَ
[ ص: 151 ] لَهُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا احْتَجَّ لَهُ بِهِ ; لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ الْإِبِلِ ، جَعَلَهُ بِظَاهِرِ مَا تِلْكَ الْإِبِلُ عَلَيْهِ ، وَبِمَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ بِمَا يُشَاهَدُ مِنْهَا أَنَّهَا كَذَلِكَ ، لَا بِتَحْقِيقٍ لِذَلِكَ مِنْهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَكُونَ النَّاقَةُ عِنْدَ النَّاسِ حَامِلًا بِمَا يَرَوْنَهُ مِنْهَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي أَمْثَالِهَا ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ ، وَكَذَلِكَ بَنَاتُ آدَمَ قَدْ يُرَيْنَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُرَى مِنْهُنَّ غَيْرُ حَمْلٍ .
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُلَاعَنَ إِلَّا بِمَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، لَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الظَّنُّ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ مَعَهُ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إِنْ كَانَتْ أَمَتِي حَامِلًا ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَظَاهِرُ أَمْرِهَا أَنَّهَا حَامِلٌ ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ ، فَجَاءَ يُطَالِبُ بِمِيرَاثِهِ ، أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ ، إِذْ كَانَ مَا ظَهَرَ مِنْ تِلْكَ الْأَمَةِ قَدْ لَا يَكُونُ حَمْلًا ، وَلَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ الَّذِي كَانَ مِنْ مَوْلَاهُ عَتِيقًا عَتَاقًا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِيرَاثَ أَبِيهِ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمَوَارِيثِ ، كَانَ فِي نَفْيِ الْأَحْمَالِ كَذَلِكَ ، وَكَانَ الَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْخَلِفَاتِ ، هُوَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا . أَنْ يُحَقِّقَ بِوَضْعِهِنَّ لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُنَّ كُنَّ حَوَامِلَ بِهِ يَوْمَ دَفَعَهُنَّ مَنْ كُنَّ عَلَيْهِ إِلَى مَنْ وَجَبْنَ لَهُ ، كَانَ قَدِ اسْتَوْفَى مَا وَجَبَ لَهُ ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُنَّ كُنَّ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ رَدَّهُنَّ ، وَطَالَبَ بِحَوَامِلَ .
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمُحْتَجِّ حُجَّةٌ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا لِمَا وَصَفْنَا ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ظَلَمَ مُخَالِفَهُ فِي جَمِيعِ مَا احْتَجَّ
[ ص: 152 ] بِهِ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، لِأَنَّ مُخَالِفَهُ يَزْعُمُ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي اعْتِدَادِ الْمُطَلَّقَاتِ الْبَوَائِنِ عَلَى مُطَلِّقِيهِنَّ لِلْعِدَّةِ اللَّائِي هُنَّ فِيهَا ، لَا لِأَحْمَالٍ إِنْ كَانَتْ بِهِنَّ ، وَأَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا خَلِفَاتَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ، مِنْهَا : خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ ، غَيْرَ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَقُولُ بِالْخَلِفَاتِ .
وَفِيمَا احْتَجَجْنَا بِهِ فِي ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُجَّةً فِيمَا احْتَجَّ بِهِ هَذَا الْمُخَالِفُ عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا ، وَفِيمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ ، هُوَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِمَا وَافَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .