الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب : استقر الضمان عليه ) يعني : على الآكل . وهذا بلا نزاع . ( وإن لم يعلم ، وقال له الغاصب : كله ، فإنه طعامي : استقر الضمان على الغاصب ) . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في المغني ، والشرح ، والنظم ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، والخلاصة . وقيل : الضمان على الآكل . وأطلقهما في الرعايتين ، والفائق ، والحاوي الصغير . ويأتي كلام القاضي ، وأبي الخطاب ، وغيرهما [ ص: 186 ] قوله ( وإن لم يقل ) يعني وإن لم يقل : هو طعامي ، بل قال له : كل ( ففي أيهما يستقر عليه الضمان ؟ وجهان ) . أكثر الأصحاب يحكون الخلاف وجهين . وحكاهما في المغني روايتين . وأطلقهما في الشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، والحارثي .

أحدهما : يستقر الضمان على الغاصب . وهو المذهب . صححه في النظم ، والتصحيح . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الخلاصة ، والفروع . وهو ظاهر كلام الخرقي .

والوجه الثاني : يستقر على الآكل . وقال القاضي ، وأبو الخطاب في الهداية ، والسامري في المستوعب ، وابن الجوزي في المذهب : إن ضمن الغاصب استقر الضمان عليه وجها واحدا . وإن ضمن الآكل ففي رجوعه على الغاصب وجهان ، مبنيان على روايتي المغصوب . لكن القاضي قال : ذلك فيما إذا قال : هو طعامي فكله . وغيره ذكره في المسألتين . قوله ( وإن أطعمه لمالكه ، ولم يعلم : لم يبرأ . نص عليه في رجل له عند رجل تبعة ، فأوصلها إليه على أنها صلة أو هدية ، ولم يعلم كيف هذا ) قال المصنف ( يعني أنه لا يبرأ ) . اعلم أنه إذا أطعمه لمالكه فأكله . عالما أنه طعامه : برئ غاصبه . وكذا لو أكله بلا إذنه . فإن لم يعلم ، وقال له الغاصب : كله ، فإنه طعامي : لم يبرأ الغاصب أيضا . وإن لم يقل ذلك ، بل قدمه إليه ، وقال : كله . فجزم المصنف هنا : أنه لا يبرأ . وهو ظاهر النص المذكور . [ ص: 187 ] قال الحارثي نص عليه من وجوه وذكرها وهو المذهب . جزم به في الوجيز ، والفائق ، وناظم المفردات ، والهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة . وقدمه في الكافي ، والمغني ، والتلخيص ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والحارثي . وهو من مفردات المذهب قال المصنف وتبعه الشارح ويتخرج أن يبرأ ، بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي . فإنه يستقر الضمان على الآكل في أحد الوجهين كما تقدم . وذكره ابن أبي موسى تخريجا .

فائدتان : إحداهما : لو أطعمه لدابة المغصوب منه ، أو لعبده : لم يبرأ . على الصحيح من المذهب . وجزم به التلخيص . قال في الفائق : ولو أطعمه لدابته مع علمه : برئ من الغصب ، وإلا فلا . نص عليه . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . قال في الفروع : لغير عالم بغصبه . قال جماعة : أو لدابته ، استقر ضمانه عليه . وقال في الرعاية الكبرى : إن جهل مالكه . ففيه ثلاثة أوجه .

الثالث : لا يبرأ ، إن قال : هو لي ، وإلا برئ . انتهى .

الثانية : قال المصنف ، والشارح : لو وهب المغصوب لمالكه ، أو أهداه إليه : برئ . على الصحيح من المذهب . لأنه سلمه إليه تسليما تاما . وكذا إن باعه أيضا ، وسلمه إليه ، أو أقرضه إياه . وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله . قال في الفروع : وجزم به جماعة . وصححه في الكافي ، وغيره . وقال في القاعدة السادسة والستين : والمشهور في الهبة : أنه لا يبرأ . نص عليه الإمام أحمد . معللا بأنه تحمل منته . وربما كافأه على ذلك . [ ص: 188 ] واختار القاضي في خلافه ، وصاحب المغني : أنه يبرأ . لأن المالك تسلمه تسليما تاما . وعادت سلطته إليه . انتهى . وقدم في الفروع : أن أخذه بهبة ، أو شراء ، أو صدقة : أنه كإطعامه لربه . على ما تقدم . وقال في الرعاية الكبرى : إن أهداه إليه ، أو جعله صدقة : لم يبرأ على الأصح . قال الحارثي : والمنصوص : عدم البراءة . اختاره ابن أبي موسى ، والقاضيان أبو يعلى ، ويعقوب بن إبراهيم . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية