الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن تلف المغصوب : لزمه مثله ، إن كان مكيلا ، أو موزونا ) . كذا لو أتلفه . هذا المذهب . وعليه الأصحاب ، سواء تماثلت أجزاؤه أو تفاوتت كالأثمان ، والحبوب ، والأدهان ، وغير ذلك وجزم به في العمدة ، والمحرر ، والوجيز ، والتسهيل ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . [ ص: 191 ] وحكاه ابن عبد البر إجماعا في المأكول ، والمشروب . وعنه : يضمنه بقيمته . قال الحارثي : ذكرها القاضي أبو الحسين في كتابه التمام ، وأبو الحسن بن بكروس في رءوس المسائل . وذكره القاضي أيضا . وذكر أيضا أخذ القيمة في نقرة وسبيكة للأثمان ، وعنب ورطب وكمثرى . قال المصنف ، والشارح : ويحتمل أن يضمن النقرة بقيمتها .

تنبيه : محل هذا إذا كان باقيا على أصله . فأما مباح الصناعة كمعمول الحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والصوف ، والشعر المغزول ، ونحو ذلك فإنه يضمن بقيمته . لأنه خرج عن أصله . جزم به في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . قوله ( وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، والمحرر وناظم المفردات ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وهو من مفردات المذهب . وقال القاضي في الخصال : يضمنه بقيمته يوم القبض . يعني يوم قبض البدل . قال في التلخيص : وذكره ابن عقيل . قال الحارثي : اختاره ابن عقيل . وعنه : يلزمه قيمته يوم تلفه . وقيل : أكثرهما يعني : أكثر القيمتين قيمته يوم البدل ، وقيمته يوم التلف . [ ص: 192 ] وعنه : يوم المحاكمة . وعنه يلزمه قيمته يوم غصبه . وقيل : يلزمه أكثر القيمتين : قيمته يوم الإعواز ، وقيمته يوم الغصب . وهو تخريج في الهداية وغيرها .

فوائد : إحداهما : إن قدر على المثل قبل أخذ القيمة : وجب رد المثل . قاله الأصحاب . وقال في القاعدة السادسة والأربعين : ينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ، ثم عدمه . أما إن عدمه ابتداء : فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خلاف . انتهى . وإن كان بعد أخذها : أجزأت . ولا يلزمه ردها ، وأخذ المثل . على الصحيح من المذهب . قال في الفروع : لم يرد القيمة في الأصح . قال في التلخيص : لم يرد القيمة على الأظهر . وجزم به في الفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وقيل : يرده ويأخذ المثل .

الثانية : الصحيح من المذهب : أن المثلي هو المكيل والموزون . قال الحارثي : المذهب أنه المكيل والموزون . كذلك نص عليه من رواية إبراهيم بن هانئ ، وحرب بن إسماعيل . وتقدم كلام القاضي في السبيكة ونحوها . وقال في المجرد : الحطب ، والخشب ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ليس مثليا لا يختلف . قال الحارثي : وعموم نص الإمام أحمد رحمه الله على خلافه ، وهو الصحة . انتهى . [ ص: 193 ] ذكر في المستوعب : أن كل ما لا يضبط بالصفة كالربويات ، والأشربة ، والغالية غير مثلي . لاختلافه باختلاف المركبات والتركيب . قال الحارثي : والصواب إدراجه في المنصوص . لأنه موزون . وقال الحارثي أيضا : ولعمري ، إن اعتبار المثلي بكل ما يثبت في الذمة حسن . والتشابه في غير المكيل والموزون ممكن . فلا مانع منه . وكذلك ما انقسم بالأجزاء بين الشريكين من غير تقويم ، مضافا إلى هذا النوع . لوجود التماثل وانتفاء التخالف . انتهى .

الثالثة : الدراهم المغشوشة الرائجة : مثلية لتماثلها عرفا . ولأن أخلاطها غير مقصودة . قاله الحارثي . قوله ( وإن لم يكن مثليا : ضمنه بقيمته ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وهو من المفردات . قال الحارثي : هو قول الأكثرين . وقد نص عليه ، في الأمة : من رواية صالح وحنبل ، وموسى بن سعيد ، ومحمد بن يحيى الكحال . وفي الدابة : من رواية مهنا . وفي الثياب : من رواية الكحال أيضا ، وابن مشيش ومهنا . وعنه : في الثوب والقصعة والعصي ونحوها : يضمنها بالمثل ، مراعيا للقيمة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وصاحب الفائق . قال في رواية موسى بن سعيد : المثل في العصي والقصعة إذا كسر ، وفي الثوب . وصاحب الثوب مخير إن شاء شق الثوب ، وإن شاء مثله . قال المصنف : معناه والله أعلم إن شاء أخذ أرش الشق . قال الحارثي : وفيه نظر . فقد قال في رواية الشالنجي : يلزمه المثل في العصي ، والقصعة والثوب .

[ ص: 194 ] قلت : فلو كان الشق قليلا ؟ قال صاحب الثوب بالخيار قليلا كان أو كثيرا . وذكر ذلك في الفائق ، وغيره . وقال في الفروع ، وعنه : يضمنه بمثله . ذكرها ابن أبي موسى . واختاره شيخنا . قال في الاختيارات : وهو المذهب عند ابن أبي موسى . قال الحارثي : هو المذهب عند ابن أبي موسى . واختاره . وذكر لفظه في الإرشاد . قال الحارثي : وهو الحق . وعنه : يضمنه بمثله . وعنه : يضمنه في غير الحيوان بمثله . ذكره جماعة . وذكر في الواضح ، والموجز : أنه ينقص عنه عشرة دراهم . وذكر في الانتصار ، والمفردات : لو حكم حاكم بغير المثل في المثلي ، وبغير القيمة في المتقوم : لم ينفذ حكمه ، ولم يلزمه قبوله . ونقل ابن منصور فيمن كسر خلخالا : أنه يصلحه . قوله ( ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده ) . وهذا المذهب .

نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله . قال الحارثي : وهو الصحيح والمشهور . وقال الزركشي : هذا المشهور والمختار عند الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، ونظم المفردات ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والتلخيص ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، والفائق ، والحارثي ، وغيرهم . ويتخرج : أن يضمنه بقيمته يوم غصبه . وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله قال الحارثي : أورد المصنف وأبو الخطاب هذا التخريج من قول [ ص: 195 ] الإمام أحمد في حوائج البقال يعطيه على سعر يوم أخذ . وفرق بينهما بأن الحوائج يملكها الآخذ بأخذها . بخلاف المغصوب . انتهى . وعنه : بأكثرهما يعني أكثر القيمتين قيمة يوم تلفه ويوم غصبه . قال الحارثي : ومن الأصحاب من حكى رواية بوجوب أقصى القيم : من يوم الغصب إلى يوم التلف . ونسب إلى الخرقي من قوله " ولو غصبها حاملا ، فولدت في يده ثم مات الولد . أخذها سيدها وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته " وهو اختيار السامري . قال القاضي في الروايتين : وما وجدت رواية بما قال الخرقي . وهو عندي غير مناف للأول . فإن قيمة الولد بعد الولادة تتزايد بتزايد تربيته . فتكون يوم موته أكثر ما كانت . وعلى هذا يتعين حمل ما قال . لأنه المعروف من نص الإمام أحمد . وما عداه من ذلك لا يعرف من نصه . انتهى .

فائدة : حكم المقبوض بعقد فاسد وما جرى مجراه : حكم المغصوب في اعتبار الضمان بيوم التلف . وكذا المتلف بلا غصب ، بغير خلاف . قاله الحارثي . وتقدمت الإحالة على هذا المكان في أواخر خيار البيع . وقوله " في بلده " هو الصحيح من المذهب . أي في بلد غصبه . جزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، والفائق ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع . وعنه : تعتبر القيمة من نقد البلد الذي تلف فيه . لأنه موضع ضمانه . جزم به في الكافي . قال الحارثي ، عن القول الأول : كذا قال أبو الخطاب ومن تابعه . وعلل بأنه محل الضمان . فاختص به دون غيره . قال : وفي هذا نظر . فإنه إنما يتمشى على اعتبار الضمان بيوم الغصب . لأنه إذن محل الضمان .

[ ص: 196 ] أما على اعتباره بيوم التلف كما هو الصحيح فالاعتبار إذن إنما هو بمحل التلف . لأنه محل الضمان ، حيث وجد سببه فيه . فوجب الاعتبار به . وقد أشار صاحب التلخيص إلى ما قلنا . فإنه قال : لو غصب في بلد ، وتلف في بلد آخر ، ولقيه في ثالث : كان له المطالبة بقيمة أي البلدين شاء من بلد الغصب والتلف ، إلا أن نقول : الاعتبار بيوم القبض ، فيطالب بالقيمة في بلد الغصب . انتهى . قلت : قد صرح في التلخيص بأنه يعتبر القيمة في بلد الغصب في هذا المحل من كتابه . فقال : وتعتبر القيمة في بلد الغصب . وعلى كلا القولين : إن كان في البلد نقد أخذ منه . وإن كان فيه نقود أخذ من غالبها . صرح به الأصحاب ، إلا أن يكون من جنس المغصوب . مثل المصوغ ونحوه . على ما يأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية