الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن ظهر فيه عين ماء ، أو معدن جار ، أو كلأ ، أو شجر ، فهو أحق به . وهل يملكه ؟ على روايتين ) . إذا ظهر فيه عين ماء فهو أحق بها ، وهل يملكه ؟ أطلق المصنف فيه روايتين وأطلقهما في المذهب ، ومسبوك الذهب .

إحداهما : لا يملك . وهو الصحيح من المذهب . صححه في المغني ، والشرح ، والتصحيح ، وغيرهم . هذه عند المصنف ، وكثير من الأصحاب : أصح . قال في الهداية : وعنه في الماء والكلأ لا يملك . وهو اختيار عامة أصحابنا . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المحرر ، والفروع ، وغيرهما .

والرواية الثانية : يملك . قدمه في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة . واختاره أبو بكر عبد العزيز . قال الحارثي : وهو الحق . قال في القواعد : وأكثر النصوص تدل على الملك وإذا ظهر فيه معدن جار فهو أحق به . وهل يملك بذلك ؟ فيه الروايتان . قال الحارثي : مأخوذتان من روايتي ملك الماء . ولهذا صححوا عدم الملك هنا لأنهم صححوه هناك . انتهى . وهذا المذهب أعني عدم ملكه بذلك وصححه من صححه في عدم الملك . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع ، والمحرر ، وغيرهما . وعنه : يملك . قال الحارثي : وهو الصحيح . وجزم به في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، وغيرهم . [ ص: 365 ] قال الحارثي : وهذا المنصوص . فيكون المذهب . وإن ظهر كلأ أو شجر فهو أحق به ، وهل يملكه ؟ أطلق المصنف فيه روايتين . وأطلقهما في المذهب .

إحداهما : لا يملك . وهو المذهب . نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم . قال في الهداية : عليه عامة أصحابنا . قال الحارثي : وهذا أصح عند الأصحاب . منهم المصنف ، والشارح . قاله في البيع من كتابه الكبير . ولم يورد أبو الفرج الشيرازي سواه . وصححه في الشرح ، والتصحيح ، وغيرهما . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الفروع . والمحرر ، وغيرهما .

والرواية الثانية :

يملكه . قدمه في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة . قوله ( وما فضل من مائه : لزمه بذله لبهائم غيره ) هذا الصحيح . لكن بشرط أن لا تجد البهائم ماء مباحا ولم يتضرر بذلك . وهو من مفردات المذهب . واعتبر القاضي ، وابن عقيل ، وصاحب المستوعب ، والتلخيص ، والرعاية ، وجماعة : اتصاله بالمرعى . وظاهر كلام المصنف هنا ، وأبي الخطاب ، والمحرر ، وغيرهم : عدم اشتراط ذلك . وقدمه في الفروع . وهو المذهب . وبذلك ما فضل من مائه لزوما من مفردات المذهب . قوله ( وهل يلزمه بذله لزرع غيره ؟ على روايتين ) . وأطلقهما في المذهب ، والخلاصة ، والمحرر ، والشرح .

إحداهما : يلزمه . وهو المذهب . [ ص: 366 ] قال في الفروع : يلزمه على الأصح . لكن قال الإمام أحمد رحمه الله : إلا أن يؤذيه بالدخول ، أو له فيه ماء السماء ، فيخاف عطشا . فلا بأس أن يمنعه . وقدمه في الهداية . والمستوعب . قال الحارثي : هذا الصحيح ، واختيار أكثر الأصحاب . منهم أبو الخطاب ، والقاضي أبو الحسين ، والشيرازي ، والشريفان أبو جعفر ، والزيدي وهو من مفردات المذهب . قال الإمام أحمد : ليس له أن يمنع فضل ماء يمنع به الكلأ . للخبر . قال في القاعدة التاسعة والتسعين : هذا الصحيح .

والرواية الثانية : لا يلزمه . صححه في التصحيح ، والقاضي في الأحكام السلطانية ، وابن عقيل . قال الحارثي : ومال إليه المصنف . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق . وقال في الروضة : يكره منعه فضل مائه ليسق به . للخبر .

فوائد : الأولى : حيث قلنا لا يلزمه بذله : جاز له بيعه بكيل ، أو وزن معلوم . ويحرم بيعه مقدرا بمدة معلومة . خلافا لمالك : ويحرم أيضا بيعه مقدرا بالري ، أو جزافا . قاله القاضي وغيره ، واقتصر عليه في الفروع . قال القاضي : وإن باع آصعا معلومة من سائح : جاز كماء عين . لأنه معلوم ، إن باع كل الماء : لم يجز . لاختلاطه بغيره .

الثانية : إذا حفر بئرا بموات للسابلة ، فالناس مشتركون في مائها ، والحافر كأحدهم في السقي ، والزرع ، والشرب . قاله الأصحاب . ومع الضيق يقدم الآدمي . [ ص: 367 ] ثم الحيوان . قاله الأصحاب . منهم صاحب الرعايتين ، والفروع ، والفائق والحاوي الصغير ، وغيرهم . ثم زاد في الفائق : ثم الزرع . وهو مراد غيره . وقال في التلخيص : ومع الضيق للحيوان ، ومع الضيق للآدمي . والظاهر أن النسخة مغلوطة . الثالثة : لو حفرها ارتفاقا كحفر السفارة في بعض المنازل ، وكالأعراب والتركمان ينتجعون أرضا فيحتفرون لشربهم ، وشرب دوابهم فالبئر ملك لهم . ذكره أبو الخطاب . وقدمه الحارثي ، وقال : هو أصح . وهو الصواب . وقال القاضي ، وابن عقيل ، والمصنف ، وجماعة : لا يملكونها . وهو المذهب . قال في الفروع : فهم أحق بمائها ما أقاموا . وفي الأحكام السلطانية : وعليهم بذل الفاضل لشاربه فقط . وتبعه في المستوعب ، والتلخيص ، والترغيب ، والرعاية ، وغيرهم . وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين . فإن عاد المرتفقون إليها ، فهل يختصون بها ، أم هم كغيرهم ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في التلخيص ، والحارثي في شرحه ، والفروع .

أحدهما : هم كغيرهم . واختاره القاضي في الأحكام السلطانية . والوجه الثاني : هم أحق بها من غيرهم . اختاره أبو الخطاب في بعض تعاليقه قال السامري : رأيت بخط أبي الخطاب على هامش نسخة من الأحكام السلطانية ، قال : محفوظ يعني : نفسه الصحيح : أنهم إذا عادوا كانوا أحق به . لأنها ملكهم بالإحياء . وعادتهم أن يرحلوا في كل سنة ، ثم يعودون . فلا يزول ملكهم عنها بالرحيل . انتهى . قلت : وهو الصواب . وقدمه في الرعاية الكبرى ، والفائق . [ ص: 368 ] قال في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير : فهو أولى بها في أصح الوجهين .

الرابعة : لو حفر تملكا ، أو بملكه الحي : فنفس البئر ملك له . جزم به الحارثي وغيره . وقدمه في الفروع ، وغيره . قال في الرعاية : ملكها في الأقيس . قال في الأحكام السلطانية : إن احتاجت طيا : ملكها بعده . وتبعه في المستوعب ، وقال هو وصاحب التلخيص وإن حفرها لنفسه تملكها : فما لم يخرج الماء ، فهو كالشارع في الإحياء . وإن خرج الماء استقر ملكه ، إلا أن يحتاج إلى طي ، فتمام الإحياء بطيها . انتهيا وتقدم : هل يملك الذي يظهر فيها أم لا ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية