الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 36 ] قوله ( ويجوز إجارة الوقف . فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده : لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين ) . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والمغني والكافي ، والتلخيص ، والبلغة ، والشرح ، وشرح ابن منجا ، والفائق ، والزركشي ، وتجريد العناية . أحدهما : لا تنفسخ بموت المؤجر . وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة كما لو عزل الولي ، وناظر الوقف ، وكملكه المطلق . قاله المصنف وغيره . صححه في التصحيح ، والنظم . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وشرح ابن رزين . قال القاضي في المجرد : هذا قياس المذهب .

والوجه الثاني : تنفسخ . جزم به القاضي في خلافه ، وأبو الحسين أيضا وحكياه عن أبي إسحاق بن شاقلا . واختاره ابن عقيل ، وابن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين وغيرهم . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : هذا أصح الوجهين . قال القاضي : هذا ظاهر الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح . قال ابن رجب في قواعده : وهو المذهب الصحيح . لأن الطبقة الثانية تستحق العين بمنافعها تلقيا عن الواقف بانقراض الطبقة الأولى . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . قلت : وهو الصواب . وهو المذهب . قال الناظم : ولو قيل أن يؤجره ذو نظر من المحبس لم يفسخ فقط لم أبعد وقيل : تبطل الإجارة . وهو تخريج للمصنف في المغني من تفريق الصفقة . قال في القاعدة السادسة والثلاثين : لكن الأجرة إن كانت مقسطة على [ ص: 37 ] أشهر مدة الإجارة أو أعوامها ، فهي صفقات متعددة على أصح الوجهين . فلا تبطل جميعها ببطلان بعضها . وإن لم تكن مقسطة فهي صفقة واحدة ، فيطرد فيها الخلاف المذكور . انتهى . وقال في الفائق ، قلت : وتخرج الصحة بعد الموت موقوفة ، لا لازمة ، وهو المختار . انتهى .

تنبيهات : أحدها : قال في الفروع : ويتوجه مثله فيما إذا أجره ثم وقفه .

الثاني : قال العلامة ابن رجب في قواعده : اعلم أن في ثبوت الوجه الأول نظرا . لأن القاضي إنما فرضه فيما إذا أجر الموقوف عليه ، لكون النظر له مشروطا وهذا محل تردد . أعني : إذا أجر بمقتضى النظر المشروط له ، هل يلحق بالناظر العام ، فلا ينفسخ بموته أم لا ؟ فإن من أصحابنا المتأخرين من ألحقه بالناظر العام . انتهى .

الثالث : محل الخلاف المتقدم : إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه بأصل الاستحقاق . فأما إن كان المؤجر هو الناظر العام ، ومن شرط له ، وكان أجنبيا : لم تنفسخ الإجارة بموته . قولا واحدا . قاله المصنف ، والشارح ، والشيخ تقي الدين ، والشيخ زين الدين بن رجب وغيرهم . وقال ابن رجب : أما إذا شرطه للموقوف عليه ، أو أتى بلفظ يدل على ذلك ، فأفتى بعض المتأخرين بإلحاقه بالحاكم ونحوه ، وإنه لا ينفسخ . قولا واحدا . وأدخله ابن حمدان في الخلاف . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وهو الأشبه .

الرابع : محل الخلاف أيضا عند ابن حمدان في رعايتيه وغيره : إذا أجره [ ص: 38 ] مدة يعيش فيها غالبا . فأما إن أجره مدة لا يعيش فيها غالبا : فإنها تنفسخ قولا واحدا ، وما هو ببعيد . فعلى الوجه الأول ، من أصل المسألة : يستحق البطن الثاني حصته من الأجرة من تركة المؤجر إن كان قبضها ، وإن لم يمكن قبضها فعلى المستأجر . وعلى الوجه الثاني : يرجع المستأجر على ورثة المؤجر القابض . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : إن كان قبضها المؤجر رجع بذلك في تركته فإن لم يكن تركة فأفتى بعض أصحابنا بأنه إذا كان الموقوف عليه هو الناظر فمات فللبطن الثاني فسخ الإجارة ، والرجوع بالأجرة على من هو في يده . انتهى . وقال أيضا : والذي يتوجه أولا : أنه لا يجوز سلف الأجرة للموقوف عليه . لأنه لا يستحق المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها . فالتسليف لهم قبض ما لا يستحقونه ، بخلاف المالك . وعلى هذا : فللبطن الثاني أن يطالبوا بالأجرة المستأجر لأنه لم يكن له التسليف ، ولهم أن يطالبوا الناظر . انتهى .

فائدة : قال ابن رجب بعد ذكر هذه المسألة : وهكذا حكم المقطع إذا أجر إقطاعه ثم انتقلت عنه إلى غيره بإقطاع آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية