الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( فإن أخره سقطت شفعته ) . يعني : على الصحيح من المذهب . وقد تقدمت رواية : بأنه على التراخي . قوله ( إلا أن يعلم وهو غائب ، فيشهد على الطلب بها . ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه ، أو لم يشهد ، لكنه سار في طلبها : فعلى وجهين ) . شمل كلامه مسألتين .

إحداهما : أن يشهد على الطلب حين يعلم ، ويؤخر الطلب بعده ، مع إمكانه . فأطلق في سقوط الشفعة بذلك وجهين . وأطلقهما في النظم ، والرعايتين ، والفروع والفائق ، وشرح ابن منجا .

إحداهما : لا تسقط الشفعة بذلك . وهو المذهب . نصره المصنف ، والشارح . وهو ظاهر كلام الخرقي . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الهداية ، [ ص: 264 ] والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والحارثي . وقال : هذا المذهب .

والوجه الثاني : تسقط إذا لم يكن عذر . اختاره القاضي ، وابن عبدوس في تذكرته . وهو احتمال في الهداية .

تنبيهان : أحدهما : حكى المصنف في المغني ، ومن تبعه : أن السقوط قول القاضي . قال الحارثي : ولم يحكه أحد عن القاضي سواه . والذي عرفت من كلام القاضي خلافه . ونقل كلامه من كتبه ، ثم قال : والذي حكاه في المغني عنه : إنما قاله في المجرد فيما إذا لم يكن أشهد على الطلب . وليس بالمسألة . نبهت عليه خشية أن يكون أصلا لنقل الوجه الذي أورده . انتهى .

الثاني : قال ابن منجا في شرحه : واعلم أن المصنف قال في المغني " وإن أخر القدوم بعد الإشهاد " بدل قوله " وإن أخر الطلب بعد الإشهاد " وهو صحيح ، لأنه لا وجه لإسقاط الشفعة بتأخير الطلب بعد الإشهاد . لأن الطلب حينئذ لا يمكن . بخلاف القدوم ، فإنه ممكن . وتأخير ما يمكن لإسقاطه الشفعة وجه . بخلاف تأخير ما لا يمكن . انتهى . وكذلك الحارثي مثل بما لو تراخى السير . انتهى . فعلى كلا الوجهين : إذا وجد عذر ، مثل أن لا يجد من يشهده ، أو وجد من لا تقبل شهادته كالمرأة ، والفاسق ونحوهما أو وجد من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة : لم تسقط الشفعة . وإن لم يجد إلا مستوري الحال فلم يشهدهما . فهل تبطل شفعته أم لا ؟ فيه احتمالان . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفروع . [ ص: 265 ] قلت : الصواب أنها لا تسقط شفعته . لأن الصحيح من المذهب : أن شهادة مستوري الحال لا تقبل . فهما كالفاسق بالنسبة إلى عدم قبول شهادتهما . فإن أشهدهما لم تبطل شفعته ، ولو لم تقبل شهادتهما . وكذلك إن لم يقدر إلا على شاهد واحد فأشهده أو ترك إشهاده . قال المصنف ، والشارح ، قال الحارثي : وإن وجد عدلا واحدا . ففي المغني : إشهاده وترك إشهاده سواء ، قال : وهو سهو . فإن شهادة الواحد معمول بها مع يمين الطالب . فتعين اعتبارها . ولو قدر على التوكيل فلم يوكل ، فهل تسقط شفعته ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في الفروع .

أحدهما : لا تبطل . وهو المذهب . نصره المصنف ، والشارح .

والوجه الثاني : تبطل اختاره القاضي . وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب .

فائدة : لفظ الطالب " أنا طالب أو مطالب ، أو آخذ بالشفعة ، أو قائم على الشفعة " ونحوه مما يفيد محاولة الأخذ . لأنه محصل للغرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية